غسان العيّاش
تصعيد الحرب الإسرائيلية على لبنان وازدياد مخاطر الاجتياح البرّي انطلاقاً من الحدود الجنوبية، صعّدا وتيرة المطالبة بانتخاب رئيس للجمهورية ووضع حد للفراغ الشاذ في رئاسة الجمهورية المستمرّ منذ سنتين.
الدعوات المتكرّرة إلى انتخاب رئيس سبقت الحرب، بل بدأت في اليوم التالي لانتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون. منذ ذلك الوقت، لم يخلُ خطاب سياسي أو تصريح برلماني أو عظة بطريركية من الدعوة الملحّة للبرلمان إلى قيامه بواجبه الدستوري والطبيعي وانتخاب الرئيس. وإذا مرّ يومٌ من دون هذه الدعوة، فيذكّرنا النائب ملحم خلف بهذا الواجب الدستوري والأخلاقي عبر تصريحه اليومي من مقرّ اعتصامه في مجلس النوّاب.
لا خلاف على ضرورة الوفاء بهذا الموجب الدستوري والوطني، لكن المبالغة في تركيز الخطاب السياسي عليه أدّت إلى إهمال شعار آخر لا يقلّ عنه أهمّية، هو ضرورة انتظام العمل الحكومي وقيام مجلس الوزراء بوظائفه مضاعفة لكي يعوّض الغياب غير المبرّر وغير المفهوم لرئيس الجمهورية. وحريّ بالنائب المحترم ملحم خلف أن يوزّع أيام اعتصامه بالتساوي بين ساحة النجمة والسرايا الحكومية.
انتخاب الرئيس ضرورة ملحّة ليس تلبية لموجب دستوري أساسي فحسب، بل أيضا لضرورات التوازن الوطني، إذ إن شغور رئاسة الجمهورية ينتقص من دور الفريق المسيحي في السلطة، وهو ما أجمعت على رفضه كل الطوائف الأخرى في مقاربتها للموضوع.
لكنّ لهذه الثغرة الدستورية الفادحة وجهاً آخر تعمّدت الأوساط السياسة غضّ النظر عنه وإهماله، عن سابق تصوّر وتصميم. إن انتظام عمل الحكومة وحسن إدارتها لشؤون البلاد وسهرها على انسياب الخدمات والمرافق العامّة هي أمور تتفوّق على مسألة انتخاب الرئيس إذا لم تكن تساويها. فالدستور اللبناني ناط بمجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات الرئيس في حال خلوّ الموقع الدستوري الأوّل، حرصاً على استمرار الدولة.
لكن ما جرى في السنوات الثلاث الأخيرة لا يمكن أن يستوعبه عقل سويّ، فقد اعتُبر شغور رئاسة الجمهورية مبرّراً وحافزاً لامتناع مجلس الوزراء عن التصدّي للقضايا الحيوية في ذروة الانهيار الاقتصادي والاجتماعي.
هل الفراغ الرئاسي مبرّر مقبول لعدم امتلاك الدولة خطة للخروج من الانهيار المالي وإعادة تنشيط القطاع المصرفي والاقتصاد وتعويض المودعين جزءاً من حقوقهم؟
سوف تتفاقم هذه المشكلة إذا قدّر للحرب أن تنتهي وتظهر المهمات الجسيمة التي يتوجّب على الحكومة أن تتصدّى لها.
تعتبر حرب 2006 محدودة أمام الحرب الحالية المتدحرجة. يومها قدّرت الحكومة أن ثلاثين ألفاً من اللبنانيين خسروا وظائفهم، معظمهم من الشابات والشبان، وأن الكلفة المباشرة لإعادة الإعمار تبلغ 2.8 ملياري دولار (فقط) وتشمل إعادة بناء البنية التحتية واستبدال المنشآت المدمّرة وإعادة بناء المساكن الخاصّة. ووصفت في الدراسة التي قدّمتها إلى مؤتمر باريس 3 سنة 2007 التأثير غير المباشر للحرب بأنه أكبر من نتائجها المباشرة، إذ توقّع صندوق النقد الدولي تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 في المئة وأن يتحوّل الفائض الأوّلي المنتظر في المالية العامّة إلى عجز.
العدوان الحالي على لبنان أكثر إضراراً باقتصاده وماليته وبنيته الاجتماعية بسبب شراسة الحرب الحاضرة وضخامة التدمير الحاصل، فيما الهيكل اللبناني ضعيف وغير قادر على المواجهة. الضعف هذه المرّة يشمل المال العام وكذلك المال الخاص، حيث يواجه اللبنانيون الظروف القاسية وهم مجرّدون من أموالهم وادّخاراتهم.
فإذا تصدّت الدولة لمهمات ما بعد الحرب بالدينامية نفسها التي طبعت عملها في السنوات الخمس الأخيرة، فعلى البلد السلام.