انطلاقاً من الرسالة والدور، عُقدت قمة روحية مسيحية - إسلامية في بكركي بمشاركة الرؤساء الروحيين المسلمين والمسيحيين، فيما برزت المشاركة الشيعية التي تركت بصماتها أيضاً بين سطور البيان الختامي.
القمة جاءت مدوزنة على الطريقة اللبنانية، بمعنى "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم". "شروط الطرف الشيعي للحضور كانت التوافق على البيان الختامي مسبقاً، وهو ما يجري عادة في أي قمة روحية، وكانت هناك حساسية في مسألة انتخاب رئيس توافقي، وقد حُلّت"، كما أكد المفتي أحمد قبلان لـ"النهار".
الحل ظهر بصياغة عبارة وردت في البيان على الشكل الآتي: "بأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق"، وهي قالها في مداخلته شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المُنى.
أما الشيخ علي الخطيب، نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي دعا في كلمته إلى انتخاب رئيس توافقي، فلم يتطرق إلى الأصول الدستورية للانتخاب، على غرار ما فعل مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أو أبي المنى. وعندما سألته "النهار" هل يوحي ذلك بأنهم يصرون على ضرب الدستور والخروج عن الأصول الدستورية؟ أجاب: "لبّ الميثاق هو التوافق".
مطالبة الخطيب بانتخاب رئيس توافقي تطرح سؤالاً عما إذا كان ذلك يعني العدول عن المطالبة برئيس "يحمي ظهر المقاومة"، وهو ما يجيب عنه المفتي قبلان لـ"النهار"، قائلا: "وجود رئيس يحمي ظهر المقاومة أمر مفروغ منه، ويحمي كل اللبنانيين أيضاً وكل البيئة الاجتماعية في لبنان. فرئيس الجمهورية في لبنان ليس فقط مارونياً بل هو رئيس وطني، كذلك رئيس مجلس النواب".
وفي تلافٍ مستمر للحديث عن انتخاب رئيس وفق الأصول الدستورية، يصرّ قبلان على التوافقية أو الميثاقية، "سمّها ما شئت، هيدا لبنان"، إلى حين معالجة الخلل في الدستور"، مؤكداً التمسك بالحوار والتوافق مقدمة لانتخاب رئيس.
العدوان الإسرائيلي على لبنان أخذ حيزاً كبيراً من النقاش ومن سطور البيان، فبرزت شكلاً في متن البيان مفردات لم تعتد الأذن السياسية ربما سماعها كثيراً في بيانات الصرح كعبارات "العدوان الهمجي والوحشي"، و"العدوان الصهيوني الغاشم"... لكن الأهم، كان تصنيف اللقاء لمن سقطوا في المعارك بـ"شهداء الوطن، الذين ضحّوا بحياتهم دفاعاً عن لبنان"، فيما بيانات النعي الصادرة عن "حزب الله" تفقدهم هذا الامتياز وتقول إنهم "ارتقوا على طريق القدس".
في البيان أيضاً مفردات تحتمل تأويلات، إذ تحدث عن وحدة اللبنانيين و"التضحية من أجل إنقاذ لبنان". ولم يحدّد معنى "التضحية"، أهي بمعنى التنازل السياسي أم التشابك الإنساني؟
ويقول مصدر متابع للقمة: "إنسانياً، هذا محتّم وحاصل. أما سياسياً، فالمعنى الصحيح للتضحية هو أن يبادر من هو خارج عن الدولة إلى إعادة قراءة لوظيفته ودوره وأن يعلن رفع شعار الدولة أولاً ولبنان أولا، عندها تتكرّس مسألة تعزيز الثقة بعضنا ببعض التي تحدث عنها البيان".
حمل البيان لغة صارمة في الوقت نفسه، وثوابت بكركي، ومعها دار الفتوى والموحدين الدروز، إذ كان هناك تأكيد أن الحلول الوطنية الجامعة ترتكز في شكل أساسي على "التمسّك بالدستور اللبناني واتفاق الطائف والدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة وقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية (...)".
لم يقدّم البيان أولوية على أخرى، فجاءت بنوده متوازية ومتزامنة في التطبيق، كوقف إطلاق النار، بالتزامن مع رئيس للجمهوريـة وفق أحكام الدستور، وبأكبر قدر ممكن من التفاهم والتوافق، وتطبيق القرار 1701 كاملاً، ودعم الجيش اللبناني وتأكيد انتشاره الواسع في منطقة جنوب الليطاني، وفي مختلف المناطق اللبنانية.