منذ بدأت الحرب على الضاحية الجنوبية، وتفجيرات البيجرز في 17 أيلول 2024، بدأت موجة نزوح ضخمة نحو المناطق اللبنانية، من بينها جرود جبيل، حيت توجد قرى وعائلات شيعية تتصل بكثير من العائلات الشيعية الموجودة في البقاع وفي الضاحية.
يتخطى عدد هؤلاء النازحين في بلاد جبيل عشرات الآلاف، من دون أن يتسببوا حتى الآن بمشكلات مع البيئة المضيفة، باستثناء ما حصل أخيراً في منطقة الشاوية، وهي بلدة تقع بين أفقا (قرية شيعية)، وأغلب سكانها من آل زعيتر، والغابات (قرية مسيحية).
في هذه المنطقة نزاع عقاري قديم، أي بين الغابات وأفقا، وقد تحوّل قديماً من نزاع عقاري إلى نزاع طائفي. والأسوأ اليوم أن هذا النزاع الطائفي قد يأخذ أبعاداً لا تُحمد عقباها، إذا لم تُتخذ القرارات الحاسمة والصحيحة والعادلة لحلّه.
والمشكل اليوم وصول نازحين من الضاحية الجنوبية للاستقرار في ملكيات خاصة، من دون أيّ اعتبار لمالكيها، من بينها عقارات قد تكون تابعة للكنيسة، وتحديداً لوقف مار عبدا. وقد عمل هؤلاء على بناء هنغار كبير على أرض هناك، من دون أيّ مسوغ قانوني أو رخصة.
النائب السابق فارس سعيد يقول لـ"النهار" إن "ما لفت انتباه الناس في المنطقة أن من يقومون بعملية البناء هم مدنيّون يحملون سلاحاً ظاهراً أمام أعين المواطنين كافة. وبما أن المنطقة تقع جغرافياً ضمن صلاحيات مخفر العاقورة، فقد تحرّك عناصره للاستطلاع ومعرفة ماذا يحصل؛ ولدى وصول الدورية إلى مكان تشييد الإنشاءات تمّ تطويقها وسحب السلاح بوجه عناصرها، فتم الاتصال بالنيابة العامة، وعلى إثر ذلك أصدر القاضي سامر ليشع قراراً بإزالة البناء المخالف".
يضيف سعيد: "تم التواصل يوم أمس الأول مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي تحدّث بدوره إلى المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان. واستناداً إلى قرار القاضي ليشع، قررت الدولة الصعود إلى الشاوية لإزالة المخالفة، فتوجهت مجموعة من القوة الضاربة في قوى الأمن الداخلي إلى جرد جبيل لإزالة المخالفة، لكنها، ولدى وصولها، انتشرت مجموعة من المسلحين بوجههم لمنعهم من القيام بواجبهم".
وعُلم، أنّ ضغوطات كبيرة مورست من قبل الأهالي على مسؤولي "حزب الله" للتدخل مع السلطات الرسمية لدفعها إلى التراجع عن خطوتها، وأبدوا امتعاضاً لأنهم هجروا منازلهم في بيروت، والدولة تلاحقهم إلى القرى لتنفذ القانون، في حين أنه لا يجوز على "الحزب" الذي كان سبب تهجيرهم أن يقف على الحياد. وعلى الإثر، عُلم أن اتصالات على أرفع المستويات حصلت دفعت القاضي نفسه، أي سامر ليشع، إلى التراجع عن قراره، بدل أن يصرّ على تنفيذه، فأعطاهم مهلة 15 يوماً لتسوية الأوضاع، فعادت دورية القوة الضاربة إلى قواعدها سالمة من دون إزالة المخالفة.
سعيد حذّر من أن يكون قرار القاضي بمثابة التفاف أو قميص عثمان لبقاء النازحين وتكريس المخالفة، خصوصاً أن المهلة تعني دخولنا في فصل بارد كلياً، وهو ما قد يعطي النازحين حجة لعدم المغادرة، ولخلق أمر واقع، عنوانه الاعتداء على الملكيات الفردية والملكيات الخاصة، وهذا "أمر مرفوض من قبل الجميع، ولن يقبل به أحد".
وشدّد سعيد على أن "إثارة الموضوع ليس ضد النازحين إنما للحرص وحفاظاً على الملكيات، فلا أحد في لبنان سيسمح، بسبب ضغط النزوح الكبير، أن يتم الاعتداء على الملكيات الفردية والعامة، عين المريسة أمس، اليوم جرد جبيل، وغداً أيّ منطقة أخرى".
واعتبر أن "هذه الحرب باتت تطال الجميع، والأخطر إذا طالت لأشهر أو سنوات، مما يحمّل السلطات الرسمية مسؤولية كبيرة لمعالجة أوضاع النازحين، لأن الاعتداء على الملكية الفردية يعني الاعتداء على أغلى ما يملكه اللبناني".
ورأى أن "هناك قرارات وتدابير مطلوب اتخاذها من قبل عدة مرجعيات، ولا يجوز السكوت عنها تحت أيّ مسمّى، منها الكنيسة التي يجب أن تحافظ على ملكيتها، والقضاء الذي يجب ألا يخضع للضغوط والتهديدات، والقوى الأمنية التي يجب أن تنفذ القرار القضائي، والنازح الذي يجب أن لا يعتدي على الملكيات الفردية والعامة"، مشدداً على أن المسؤولية مشتركة بين كل هؤلاء، والمطلوب خلق دينامية سياسية وإدارية لوضع حد لهذه التجاوزات.