بات القرار 1701 بصيغته الحالية خارج حسابات "اليوم التالي" لجنوب لبنان، وفق ما تشي الرؤية الإسرائيلية لسُبل إنهاء الحرب، لأنّه لم يتمكّن من ردع "حزب الله" ومنعه من الوجود جنوباً بقدراته العسكرية التامة، وأثبتت الحرب منذ الثامن من تشرين الأول (أكتوبر) أن الحزب لم يلتزم طيلة السنوات الـ18 التي مضت بتطبيقه كونه عمل على تعزيز بنيته التحتية العسكرية هناك، وكذلك لم تلتزم به إسرائيل التي مارست خروقاتها العديدة للقرار وفق بيانات السلطات اللبنانية.
وفي حين أعلن "حزب الله" صراحةً رفضه البحث بأي حلول سياسية قبل وقف الحرب، وأبدى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه برّي رفضه تعديل القرار 1701، تُصر إسرائيل على مبدأ التفاوض تحت النار لتحسين شروطها، دون التطرّق إلى القرار الأممي بالتحديد، لكنها لا تُخفي رغبتها بشكل أو بآخر إجراء تعديلات على القرار أو آليات تطبيقه، كون الصيغة الحالية لم تحقق أهدافها.
ما من تعديلات فعلية موجودة، بل أفكار ومقترحات. بنظر إسرائيل، فإن الهدف من هذه التعديلات ضمان عدم تسليح "حزب الله" وإنهاء حضوره العسكري جنوباً، لتفادي أي مخاطر عند حدودها. وبرأيها، هذا الأمر يُطبّق من خلال مراقبة الحدود البحرية والبرّية لضمان عدم وصول الأسلحة للحزب، وتوسيع دور اليونيفيل وهامش تحرّكاتها لمتابعة أرض الميدان.
في السياق، كشف موقع "واللاه نيوز" العبري نقلاً عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين معلومات مفادها أن إسرائيل سلمت واشنطن وثيقة مبادئ لحل ديبلوماسي ينهي الحرب، شرط أن يسمح للجيش الإسرائيلي بالتأكد من أن الحزب لا يعيد تسليح نفسه، وطالبت الوثيقة بحريّة العمل في المجال الجوي اللبناني لإنهاء الحرب، فيما قال موقع "أكسيوس" إنّ واشنطن تريد نشر 8000 جندي لبناني في الجنوب.
من جهتها، تبدو الإدارة الأميركية التي تعيش آخر أيامها غير معنية بأي تعديلات، وهذا ما أوحى به الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي وضع الأزمة في خانة تطبيق القرار وليس القرار نفسه، إذ قال إن المشكلة كانت في غياب التزام طرفي الصراع بتطبيق الـ1701، لكن وجب التذكير أن أياماً قليلة متبقية لإدارة لا تُريد إسرائيل تسليفها أي إنجاز سياسي، ولا يبدو أنها قادرة على تحقيق إنجاز جديد.
قبل البحث في تعديل القرار 1701، جرى الحديث عن تعديل آليات تطبيقه، وهذا قد يتماشى مع ما قاله هوكشتاين عن "سوء التنفيذ". وفي هذا السياق، يشرح العميد منير شحادة، المنسّق السابق للحكومة اللبنانية لدى قوات "اليونيفيل"، الفرق بين المسألتين، ويقول إن تعديل آليات التطبيق يحصل بالاتفاق ما بين الطرفين دون حاجة لمجلس الأمن الدولي، أما تعديل القرار فيحتاج لطرحه على طاولة مجلس الأمن والتصويت عليه.
وفي حديث لـ"النهار"، يُشير شحادة إلى التعديلات المفترضة التي قد تطلبها إسرائيل:
- حرّية التحرّك في الأجواء اللبنانية لتراقب عملية تسلّح "حزب الله" بعد الحرب، وهذا ما كانت تفعله منذ العام 2006، وتم رصد أكثر من 35 ألف خرق حتى 7 تشرين الأول 2023 (أكتوبر)، وهذا الأمر مرفوض من لبنان.
- تشييد أبراج مراقبة ووضع كاميرات ذكية عليها، لكن هذه الكاميرات قادرة على مراقبة مسافة تتخطّى نطاق جنوب الليطاني شمالاً، وسبق للبنان أن رفض هذا الاقتراح ومن المرتقب أن يرفضه مستقبلاً.
- توسيع صلاحيات "اليونيفيل" لتُصبح قادرة على تسيير دوريات وتفتيش مواقع دون التنسيق مع الجيش اللبناني.
- زيادة عدد عناصر الجيش المنتشرين في الجنوب، وهذا مطلب لبناني، لكن لا إمكانية لتطبيقه بسبب نقص عديد الجيش ونقل الكثير من عناصره الذين كانوا في الجنوب إلى الحدود الشرقية والمناطق الشمالية والداخل.
تهدف إسرائيل من خلال التعديلات وغيرها إلى إبعاد "حزب الله" عن الحدود الجنوبية وإنشاء منطقة عازلة عسكرياً، وبالتالي دفع الحزب إلى شمال الليطاني. ومن المرتقب أن يزيد الضغط الدولي لتطبيق قرارات دولية أخرى تندرج ضمن الـ1701، كالقرار 1559 القاضي بـ"حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها، وبسط سيطرة الحكومة على جميع الأراضي اللبنانية".
إشكالية التطبيق تنسحب على القرار والتعديلات المفترضة، وقد تكون ذريعة لطلب استقدام قوات دولية غير قوّات الأمم المتحدة، كون إسرائيل تعتبر أن "اليونيفيل" لم تستطع ضمان تطبيق القرار.
وهنا يوضح شحادة الفرق بين قوات "اليونيفيل" والقوات الدولية، ويقول إن الأولى تندرج تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة ولا يحق لها استعمال القوة لتطبيق القرارات ومهمتها المراقبة فقط، فيما الثانية تعني أن لبنان بات تحت الفصل السابع، ويحق لهذه القوّات استعمال القوّة لتنفيذ القرارات.
في المحصّلة، فإن القرار 1701 سيكون نجم مرحلة البحث في حلول سياسية لما بعد الحرب. وفي حين سيسعى لبنان ومن خلفه "حزب الله" للبقاء على الصيغة الحالية للقرار لتفادي إجراءات أخرى أكثر تقييداً لنشاط الحزب وخرقاً للسيادة، من المرتقب أن تدفع إسرائيل لتعديل جوهره، وسيكون للميدان ونتائج الحرب دور في تحديد شكل الواقع الجديد.