رميش.
على جلجلة الجنوب، يحمل مسيحيو القرى الحدودية صليبهم مجدداً. وجودهم بخطر، ومعهم وجود الدولة والأرض وهويتها اللبنانية. من هنا، يتمسكون بحضور ولو "شحيحاً"، للدولة اللبنانية، وبقاء مخفر الدرك في البلدة "أحسن من بلاش"، بعد خروج عناصر الجيش اللبناني من هناك.
يحاول المسيحيون تفادي كأس ما حصل أوائل الثمانينات، ويتخوفون من إعادة سيناريو سعد حداد وبعده أنطوان لحد، بعدما تُركوا من جانب الدولة اللبنانية، فاضطروا آنذاك للبقاء في أماكنهم دفاعاً عن الأرض والهوية أمام المد الفلسطيني، لتنتهي الحرب ويصبحوا بنظر دولتهم وسلطة موصى عليها "عملاء" يخدمون إسرائيل لا الوطن.
رئيس بلدية رميش ميلاد العلم يؤكد البقاء في البلدة رغم الظروف الصعبة، "ولو أردنا الرحيل لكنّا فعلنا منذ 13 شهراً، وقد شهدنا أزمات مماثلة في السابق ولم نرحل. منذ عام 1948 إلى اليوم ورغم كل الأزمات لم نرحل".
وأبدى العلم تقديره للجهود التي بذلها كل من قائد الدرك والمدير العام اللواء عماد عثمان من أجل بقاء مخفر الدرك في رميش، وبالتالي "ما حصل ليس مجرد وعد شفهي، بل سيبقى مخفر الدرك في رميش.
وبالنسبة للجيش اللبناني، هو أعاد تموضعه بين 10 و15 كلم، وهو ما زال موجوداً، وأي مؤازرة مطلوبة للقوى الأمنية سيكون على استعداد لتلبيتها، من هنا، فإن الجيش موجود معنا وهو يلبي النداء عند الطلب، لذلك نوجه له الشكر والتقدير أيضاً، وهو من قدم 3 شهداء في عين إبل".
وأوضح رداً على سؤال أنه "لم يكن للجيش اللبناني ثكنات في رميش بل مراكز صغيرة، وغادرها منذ نحو 3 أسابيع تطبيقاً لسياسة إعادة التموضع".
وعما إذا كان هناك من خوف لاستعادة سيناريو أوائل الثمانينات، وخروج الدولة من رميش واتهام ناسها بالعملاء، قال العلم: "نحن كنا ننتظر التحرير الذي حصل في عام 2000 منذ 2000 سنة، وبالتالي لا عودة إلى الوراء، ونحن لا نرضى إلا أن نكون في كنف الدولة، وقد يكون السبب الوحيد الذي يمكن أن يجعلنا نترك رميش هو أن لا نكون في كنف الدولة".
عدد الذين غادروا البلدة قليل، فـ"نحو 80% ممن هم هناك خلال الشتاء لم يغادروا ويسكنون منازلهم حالياً. هناك 1150 عائلة موجودة في رميش يُضاف إليهم نحو 175 عائلة نزحوا من القرى المجاورة، وبالتالي في رميش حالياً نحو 6 آلاف شخص".
"في رميش حالياً مخزون مدته شهر على مستوى الغذاء والأدوية، يقول العلم، قسم تم تأمينه من خلال المساعدات والقسم الآخر عمد عدد من تجار رميش إلى تأمينه دعماً لمخزونهم أيضاً، وما دام الجيش موجوداً والقوى الأمنية واليونيفيل فلا خوف من فقدان المواد الغذائية أو الأدوية وغيرها".
وكشف العلم عن اتصال تلقاه من البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الموجود في روما للاطمئنان على البلدة وأهلها. وقال: "إن قداسة البابا فرنسيس ذكر رميش في صلاته وكل القرى المسيحية وطلب أن يكونوا بأمان وأن يعود الجنوبيون جميعاً إلى أرضهم".
رميش هي صورة طبق الأصل لما تعانيه البلدات المسيحية الجنوبية الأخرى. بمعنى، هم لا يفتشون عن أدوية وطبابة وغذاء، بل عن مظلة أمان تقيهم بَرد التسويات السياسية الكبرى، فتجعلهم خارج أسوار بلداتهم، لذلك هم يلجأون إلى بكركي والفاتيكان اليوم للاستظلال بحمايتهم، فلم يبق أمامهم إلا "العناية الإلهية" بعد الخيبة التي تلقوها من الأحزاب المسيحية.
يقول أحد الفعاليات ممن شاركوا في جولات قام بها أهالي المناطق الحدودية على المرجعيات المسيحية الدينية والحزبية، معراب، اللقلوق، بكفيا، بكركي، "معاناة مسيحيي المنطقة الحدودية مضاعفة، لأنني "ضُربت من بيت أبي"، والحصاد خيبات متتالية".
يضيف، طالباً عدم ذكر اسمه: "المشترك بين الثلاثة عدم الحصول على وعود قاطعة بالمساعدة. مشكور البطريرك مار بشارة بطرس الراعي هو يحمل ملف من بقوا في المناطق الحدودية ومن نزحوا إلى الكرسي الرسولي في الفاتيكان، لكن صمودنا هنا يتطلّب أكثر من ذلك، وأكثر من صلاة، يتطلب قراراً حاسماً يضعه على طاولة صنّاع القرار في الغرب.
كذلك، معراب واللقلوق وبكفيا، لم نسمع منهم إلا الكلام. يتحدثون في الاستراتيجيات الكبرى وشكل الدولة والنظام والرئاسة، ويهملون رعيتهم، إلا إذا كانوا يعتبرون أنّ الرعية موجودة فقط في كسروان أو في بشري أو في بيروت. اللقاءات مع الأحزاب المسيحية كانت جد مخيبة من دون أن تثمر أي استراتيجية أو خريطة طريق لأيّ منهما تساعد على البقاء والصمود في المناطق الحدودية"، ينهي الرجل العجوز كلامه.