لينا إسماعيل
لطالما كانت المؤونة البلدية رمزاً للكرم البعلبكي والوفرة الزراعية، ومكوّناً من مكوّنات التراث الثقافي البعلبكي، لكنها اليوم تُعد مادة حيوية للبقاء تضمن استمرار العيش، وتجسّد روح التعاون والتكافل بين أبناء الدار وضيوفهم.
كيف ساهمت "المونة" البعلبكية في توفير جزء أساسي من الحاجات الغذائية للعائلات الصامدة وبعض العائلات النازحة، في ظل هذه الحرب الوحشية؟
كانت مؤونة الشتاء امنزلية دوماً طوق نجاة للعائلات في محافظة بعلبك – الهرمل، تمدّها بالغذاء في أوقات الشدة وخصوصاً في عزلتها جراء العواصف الثلجية. وها هي اليوم تحت حصار العدوان الاسرائيلي، توفّر لها القوت بعيداً من قصور المساعدات الغذائية التي وُعِدت بها لتعزيز صمودها إلى جانب ضيوفها النازحين.
ومع أن المنتجات الغذائية واللحوم وغيرها لاتزال متوافرة بشكل شبه كامل في المحلات التجارية، فإن ارتفاع أسعارها وخطورة التنقّل، يبرزان دور "كوارة" التخزين الطويل الأمد لكونها تحتوي على تشكيلة متنوعة من الأغذية المحفوظة، مثل الحبوب والمربيات والزيتون والمخلّلات والكشك والمكدوس ومشتقات الألبان واللحوم المجفّفة (قورما)، والتي دأبت العائلات البعلبكية على إعدادها طوال الأشهر السابقة، متخطية الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد عموماً وبعلبك – الهرمل خصوصاً.
البروفسور حسين حسن، أستاذ علم الغذاء في الجامعة اللبنانية الأميركية ورئيس "الجمعية اللبنانية للتعايش والإنماء" التي تدعم مشروع "يمّي" الخاص بصناعة المؤونة البعلبكية، يؤكد لـ " النهار" أن "للمونة دوراً محورياً في تعزيز الأمن الغذائي في أوقات النزاع، إذ تمثّل ملاذاً مستداماً وموثوقاً به للعائلات التي تواجه تحديات في الوصول إلى الأسواق أو الحصول على المساعدات".
ويشير الى أنها "تعمل أيضاً على تعزيز (إثراء) التنوّع الغذائي الضروري للسكان، لاحتوائها على مجموعة متنوّعة وغنية من الأطعمة، مما يساهم في تحقيق توازن النظام الغذائي في هذه الأوقات العصيبة، خصوصا بالنسبة الى الأطفال، وهذا التنوّع لا يقتصر على إمداد الجسم بالعناصر اللازمة فحسب، بل يلعب دوراً محورياً في تعزيز الصحة العامة في خضم الأزمات، ويخفّف من آثار الأزمات الغذائية التي تفرزها الحروب."
اليوم يتقاسم أصحاب المنزل وضيوفهم "غلّة الكوارة" فهذه الأطعمة التي تُعدّ مثالية للتخزين لآماد طويلة، تضمن بقاء الغذاء متاحاً حتى خمسة أشهر أخرى. وقد ساهم هذا في تقليل الاعتماد على الأسواق التي قد يكون بعضها مغلقاً أو غير متاح في بعض الأحيان نتيجة استهرار الغارات الجوية العنيفةعلى شمال البقاع وشرقه.
وتلفت السيدة لينا ياغي جباوي لـ"النهار" الى "الدور الفعّال للمؤونة في توطيد الروابط الاجتماعية. فالعائلات والجيران اليوم يتبادلونها في ما بينهم، ولاسيما منهم أولئك الذين يحتاجون إلى العون".
وتعتبر "أن هذه اللفتة تعزّز الأواصر الاجتماعية وتزيد من تلاحم المجتمع في خضم هذه الحرب القاسية، كما أن مشاركة الغذاء تعزّز التكافل الاجتماعي بين السكان المحليين والنازحين، مما يقوّي تماسك المجتمع ويخفّف من آثار الأزمات الغذائية التي تترتب عن الحروب".
تساهم المؤونة البعلبكية اليوم في تأمين الغذاء وتعزيز الصمود الاجتماعي والثقافي. ومع ذلك، فإن من لم يستطع حمل مؤونته إلى موقع نزوحه أو مركز الإيواء الذي انتقل اليه، أو من لم يتمكن من إعدادها في الأشهر الماضية، سيواجه تحديات جدية في غياب المساعدات الإغاثية أوتوزيع ما يصل منها بالقطّارة وعلى المحظوظين!