آلة الموت والتدمير الإسرائيلية لم تكتف ليل أمس بسفك دماء عشرات المدنيين في بعلبك والبلدات المجاورة فحسب، بل استهدف أيضاً بشكل مباشر موقعاً أثرياً في المدينة، سعياً الى محو التاريخ بعد قتل البشر وتشريدهم.
ثكنة غورو التي قصفها الطيران الجربي الاسرائيلي ليست مجرد موقع يعود إلى حقبة الانتداب الفرنسي، بل هي مِعلم أثري يحوطه سور روماني مربّع، مما يجعلها المدخل الرئيسي المتناغم مع عظمة مدينة بعلبك الرومانية، التي تتلألأ بحجارها العملاقة وبواباتها المنحوتة وبقايا أبراجها المربّعة التي تحكي قصص العصور.
اللافت أن مدينة بعلبك تشهد تحوّلات مأسوية بفعل الدمار الذي بات يحوطها، إذ إن هذه الأضرار قد تؤدي إلى ضياع معلومات تاريخية ثمينة كانت محفوظة في تلك المعالم، وكأن الآلة التدميرية الإسرائيلية تحاول اغتيال التاريخ كما اغتالت الأرواح، وقد تجد الأجيال المقبلة نفسها محرومة حيّزاً مهماً من تاريخها وهويتها الثقافية، مما يمسّ عمق وجودها وانتمائها.
من هنا تتوالى التساؤلات حيال المصير الذي ينتظر المواقع الأثرية المترامية الأطراف في كل زوايا محافظة بعلبك - الهرمل، وخصوصاً في المناطق البعلبكية التي تعاني من الانتهاكات القاسية، جراء قصف متواصل بأنواع مختلفة من الأسلحة المحرمة دولياً وإنسانياً.
ولكن يبقى السؤال الأهم: ما هي الاستراتيجية المرسومة لما بعد انتهاء الحرب، وهل أعدّت الجهات الرسمية فعلاً لمواجهة هذه اللحظة الحاسمة رغم إدراكها العميق لواقع حرب غزة واحتمال انتقالها إلى لبنان؟ ما نراه واضحاً أنها لم تُبدِ الاستعدادات الضرورية التي كان ينبغي القيام بها.
وثمة سؤال ملح آخر يطرح نفسه، وهو هل ستتّبع عملية إعادة الإعمار المخطّطات التوجيهية لمدينة بعلبك من دون أي تغيير في أساليب البناء التراثي؟
مدعاة هذا السؤال أن أحد مالكي العقارات إستغل ظروف الحرب ليقوّض صرحاً تراثياً هو "فيلا الهراوي" في حي مار جرجس. أما المبنى التراثي لـ"القرض الحسن" داخل سوق المدينة، فقد تعرض لهجوم مدمّر، فهل سيرمّما أم سيُهدمان بالكامل ليُستبدلا بمشروع أبراج سكنية فارهة؟
ولا بد من التساؤل أيضاً عن الجهة التي ستتولى تمويل ترميم المعالم الأثرية، في ظل الأزمة الاقتصادية والأضرار الجسيمة اللاحقة بالمحافظة في كل القطاعات، وضعف إمكانات الدولة ووزارة الثقافة المعنية؟