النهار

ليلة شدّ الخناق على بعلبك وإنذارها: نزوح وهلع وتشرّد أطفال ودموع مسنّين
لينا اسماعيل
المصدر: النهار
ليلة شدّ الخناق على بعلبك وإنذارها: نزوح وهلع وتشرّد أطفال ودموع مسنّين
دمار في بعلبك.
A+   A-

ليس بالأمر الهيّن أن تهجر منزلك فجأة تحت وطأة تهديد بالقصف، غير أن طلب الأمان وحماية العائلة يصبح الهدف الأسمى في مثل هذه اللحظات العصيبة. هكذا تصف السيدة علا شومان، التي صمدت حتى اللحظة الأخيرة في منزلها مع عائلتها، الوضع التاتج من التحذير بالإخلاء، رغم أن الحي الذي تقطنه لا صلة له بـ "حزب الله" أو منشأته.

 

 

عاشت بعلبك تجربة نزوح قسري مرعبة وغير مسبوقة في تاريخها الحديث،  إذ صعقها إنذار عاجل من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي. هذا الإنذار الذي استهدف المدينة بأكملها، داعياً إلى إخلائها بشكل عاجل، وليشمل أيضاً بلدتي عين بورضاي ودورس المجاورتين. 

تجسّد شومان معاناتها في رحلة النزوح التي خاضتها أمس، عندما انتقلت من مدينة بعلبك إلى إحدى قرى القضاء، في صورة تعكس آلام الفراق وتحديات التهجير.

 

 تقول لـ"النهار": "تعجز الكلمات عن نقل ما رأيناه بأعيننا، إذ كانت تجليات الخوف مرسومة بوضوح في عيون الكبار قبل أن تظهر في عيون الصغار، أطفال ورجال يسيرون حفاة، كأنهم خرجوا في لحظة جنون. كبار السن يذرفون الدموع في مشهد مؤثّر، وسط حالة من الهستيريا سادت الأجواء،  فيما تردّدت الدعوات الى الإخلاء من جهاز الدفاع المدني، مترافقة مع أصوات الطلقات النارية للحث على سرعة المغادرة. وثمّة أطفال شردت بهم الطريق بعيداً عن عائلاتهم، تائهين في زحام الفوضى والقلق".

 

 

ويشير السيد ميثم الفيتروني الى "تداعى الخطر حينما رنّ جرس الهاتف الأرضي، فكان من يطلبنا هو الجيش الإسرائيلي. إنطلقنا مسرعين، نأخذ معنا عائلتي وعائلة نازحة من الجنوب، واقتصر الأمر على حيازة ملابسنا، تاركين خلفنا أدويتي الدائمة وكل ما يعيننا في الحياة. قضينا أكثر من عشر ساعات محاصرين داخل السيارة على طريق عرسال، حيث ضاعفت زحمة السير قلقنا وتوترنا، كأننا في قبضة الخوف".

 على رغم التحذيرات المتكرّرة، إختارعدد من الأفراد الثبات في أماكنهم، متمسكين بمنازلهم، وإن انعدمت مقومات الحياة الأساسية، ومن هؤلاء السبعيني أحمد العربي الذي رفض مغادرة المدينة، وعبّر عن عزيمته بقوة قائلاً: "ظن العدو الصهيوني أنه من خلال تهديد مدينة بعلبك سوف يستطيع تعويض ما يتكبده من خسائر في ساحة المعركة، أو ربما يهدف إلى تحويل أنظار الناس نحو تأمين سلامتهم عبر بحثهم عن أماكن قد تبدو لهم أكثر أماناً. لكن مواجهة العدو تتخذ أشكالاً متعددة، منها الصمود في الميدان، ورفض الانصياع لتهديداته، وعدم ترك المواطنين لمنازلهم والنزوح منها".

 

 

أضاف: "ما أجمل البقاء تحت سقف المنزل، حتى وإن كانت التحديات جسيمة، فالموت في الوطن خير من مشقّة النزوح وقرفه. ومن هذا المنطلق، قرّرنا البقاء في منازلنا مهما كانت العواقب. فالحروب تأتي مع أثمان، ونحن على استعداد لتحمل جزء من تلك الأثمان تقديراً لما يقدمه أبطال المقاومة على جبهات القتال". 

 

 

يذكر أن المنازل المدنية في مدينة بعلبك ومزرعة بيت صليبي وبدنايل تعرّضت لغارات مدمّرة أمس، أوقعت عشرات الضحايا، وكان آخرها صباح اليوم في بلدة بوادي، حيث سقطت السيدة نرجس حسن وزوجها أحمد ناصر الدين وولداهما، والتي رفضت للخروج من بين أنياب الموت نظراً الى التزامها الإنساني في جمعية "الدراسات والتدريب" في بعلبك.

 

 

وكان عشرات من أبناء بعلبك هرعوا الى باحة القلعة الأثرية بحثاً عن ملاذ آمن، ومكثوا فيها حتى التاسعة ليلاً. وبذل المعنيون جهوداً حثيثة لمنع بقائهم حرصاً على سلامتهم وسلامة هذا المعلم التاريخي، إذ أن الموقع الأثري يفتقر إلى الحماية الكافية، ودخولهم قد يشكّل مبرراً يُساق للاسرائيليين لاستهدافه بالقصف رغم أن اعتداءاتهم مستمرة ولا تحتاج تبريراً.

اقرأ في النهار Premium