الأفكار التي يتدارسها الموفد الخاص للرئيس الأميركي آموس هوكشتاين ورد بعضها في "الموقف هذا النهار" يوم أمس. لكنّ هناك أفكاراً أخرى يجري تداولها بينه وبين رئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء نبيه بري ونجيب ميقاتي، منها تأليف جهاز معيّن أو بالأحرى لجنة تتولى متابعة تنفيذ الاتفاق الذي سيتم التوصّل إليه بين لبنان وإسرائيل من دول عظمى وكبرى يرجّح أن تكون الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مقدمها. طبعاً فكّر عددٌ من العاملين على هذا الموضوع في ضمّ ألمانيا إليها، لكن اعتراضات متنوّعة حالت دون ذلك ولا سيما بعدما اعتبر "حزب الله" وراعيته إيران الإسلامية وربما دول أخرى أنها راحت بعيداً في التضامن مع إسرائيل ضاربةً عرض الحائط كما يُقال بمواقف أعدائها ولا سيما التي منها معقولة إلى حد ما على قلّتها.
لكن ذلك كله لا يزال كلاماً حتى الآن.
الأسئلة التي تُطرح حالياً في الدوائر العاملة على وقف الحرب بين إسرائيل ولبنان "حزب الله" كثيرة منها: "هل يمكن إحياء الهدنة الموقّعة بين لبنان وإسرائيل عام 1949 بعد تصحيح النقاط المختلف عليها بينهما في "الخط الأزرق" الذي رسمه مندوبو الاثنين برعاية قوات "اليونيفيل" والأمم المتحدة؟ ومنها أيضاً هل يمكن زيادة عدد قوات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب بموجب القرار الدولي 1701؟ ومنها ثالثاً هل يمكن وضع لبنان، على نحو نهائي، في دائرة نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟
ومنها رابعاً وربما أخيراً هل يمكن أن يقبل اللبنانيون في نهاية المطاف الاكتفاء بتنفيذ الآليات الدستورية في بلادهم في قضايا عدّة أساسية مثل انتخاب رئيس جمهورية، وتكليف من يؤلّف رئاسة الحكومة، واختيار رئيس مجلس النواب، وهكذا دواليك بالنسبة إلى موضوعات مهمة أخرى؟ هل يمكن أن يقبلوا أن يكون الاختيار من حصة الإدارة في الولايات المتحدة أيّ إدارة وأن يكون دورهم البصم عليه بالتصويت في المجالس المختصة؟ طبعاً لا جواب عن هذا السؤال حتى الآن عند أحد رغم أن الساعين لمساعدة لبنان في محنته الراهنة يتداولون في مجالسهم الخاصة واجتماعاتهم هذه الأفكار. لكن من يؤيّدها من الدول المشار إليها يسأل بتعجّب وربما باستنكار: ألم يمارس اللبنانيون هذا الأمر مرّات عدة في السابق بانتظارهم قرار الخارج الغربي والأميركي تحديداً وأحياناً العربي معه وأخيراً الإيراني كي يوافقوا في مجلس النواب على انتخاب رئيس للدولة، أو كي يوافقوا في الاستشارات النيابية المُلزمة على تكليف من يؤلّف حكومة جديدة بدلاً من المستقيلة؟ هل انتخاب رئيس جمهورية للبنان بعد فراغ هذا الموقع الدستوري الأول في البلاد منذ نيّف وسنتين صار ضرورياً؟
الجهات الدولية المعنية وهي الغربية تحديداً تعتقد ذلك. لكن السؤال هو: من سيكون هذا الرئيس؟ والسؤال الثاني: هل يكون قائد الجيش العماد جوزف عون؟
عن هذين السؤالين يجيب مصدر سياسي لبناني واسع الاطلاع بالقول: "أعتقد أن ما يجري حالياً سيحرق أو قد يحرق القائد المذكور للجيش ويُلغي أو يقلّص بالأحرى حظوظه الرئاسية. لكن الأكثر إلحاحاً في هذه المرحلة ليس اختيار مرشّح للرئاسة رغم ضرورة ملء هذا الموقع الاستراتيجي انطلاقاً من التركيبة اللبنانية الطائفية والمذهبية البالغة التعقيد، بل هو الاتفاق على تنفيذ القرار الدولي 1701 الذي اتخذه مجلس الأمن عام 2006 في أثناء حرب تموز بين "حزب الله" واستطراداً إيران الإسلامية وإسرائيل، إذ إن قوات الطوارئ الدولية التي أنشأها القرار ومختصرها "اليونيفيل" والجيش اللبناني لم تنفّذ مضمونه وخصوصاً المتعلّق بإخلاء منطقة عمليات هذه القوات من "جيش حزب الله" ضبّاطاً وعناصر وسحب سلاحهم خارجها ثقيلاً ومتوسطاً وخفيفاً، وإزالة كل المظاهر التي توحي بالحرب والسلاح مثل الدشم والاستحكامات وحتى الأنفاق إن كانت موجودة في ذلك الحين بالرغم من عدم ترجيح ذلك".
هذا الموضوع صار أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى بعدما بيّنت "حرب إسناد" غزة و"حماس" التي شنّها "حزب الله" بعد يوم واحد من تنفيذ "طوفان الأقصى" في جنوب إسرائيل ثم تصعيدها بحرب مباشرة بين جيشي الأخيرة من جهة وجيش "الحزب" وراعيته الأولى والأخيرة إيران، بعدما بيّنت أن قوات الأخير صارت جيشاً لإيران يُحسب له حساب في المعارك العسكرية مثل تبادل القصف وربما لاحقاً في معارك الاقتحامات.
إلا أن السؤال الذي يُطرح هنا هو هل تشمل مفاعيل نجاح آخر مسعى سلمي لهوكشتاين لوقف الحرب بين لبنان "حزب الله" من جهة وإسرائيل من جهة أخرى إخراج جيش "الحزب" أو إيران من المنطقة الواقعة بين الليطاني والحدود مع إسرائيل (فلسطين المحتلة) بعديده وعتاده كله وأسلحته وذخائره إلى شمالي الليطاني؟ الجواب المرجّح عن هذا السؤال استناداً إلى معلومات المتعاطين مع هذا الموضوع من لبنانيين وعرب وأميركيين هو نعم. لكن بعضاً من هؤلاء العرب وربما من أجانب وإسرائيليين يعتقدون أن الهدف سيكون أو يجب أن يكون القضاء على "حزب الله" وإحياء منافسيه على الساحة الشيعية ولا سيما بعد الدمار الشامل الذي تسبّبت به "حرب الإسناد" وغيرها في الجنوب والبقاع، علماً بأن الأرجحية تبقى لصيغة "التسوية" الأولى. في حال كهذه سيبقى لـ"الحزب" وجوده العسكري خارج الليطاني – الحدود الجنوبية مع إسرائيل. وسيبقي ذلك وجوده السياسي اللبناني ويحميه، علماً بأن الجزم في هذه الأمور ونقيضها قد يقترب من "التبصير".
لماذا؟ وهل ستقبل إسرائيل حزباً معادياً مدجّجاً بالأسلحة على حدودها وفي البقاع وربما لاحقاً في بيروت؟ وهل ستقبل إيران نزع سلاح حزبها سواء أبقي العداء بينها وبين أميركا والغرب وإسرائيل أم تعدّل إيجاباً أم انتهى؟ وماذا سيكون موقف العرب الذين لا إعادة إعمار للبنان من دونهم من كل ذلك؟