ما يميّز العامل المياوم في بلدية بعلبك مصطفى ابو إسبر والجابي في بلدية الهرمل علي فواز الجوهري هو تضحيتهما النبيلة، إذ قدما حياتهما فداءً لوطنهما، وسط إجرام إسرائيلي ترك بصمات سود في بلديتيهما اللتين تعانيان الاحتضار، فيما تقاعست دولتهما عن منحهما مستحقاتهما المالية لأكثر من ستة أشهر.
في الوقت نفسه، لا يزال الجريحان، العاملان المياومان في بلدية بعلبك علي ابو إسبر وعباس شرف الدين، يرقدان في أحد مستشفيات المدينة جراء إصابتهما في واحدة من الغارات الدموية على بعلبك. هما يتشاركان المعاناة التي لا تختلف كثيراً عن معاناة زميليهما.
هنا تطرح تساؤلات عن الأسباب التي تعوق تحويل مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل والخليوي بالسرعة المطلوبة، خصوصاً في هذه المرحلة الحساسة التي تستلزم دوراً فاعلاً من البلديات واتحاداتها؟
تواجه البلديات والاتحادات في آن واحد تحديات جسيمة للمحافظة على موظفيها بسبب المخاطر التي يتعرضون لها، بينما تقدم الحكومة بعض الحوافز الى موظفي الإدارة العامة الذين نجد أن كثيرين منهم يتغيبون عن العمل بسبب الظروف الراهنة، وتحرم في المقابل عمال البلديات من أي دعم، إضافة الى تأخير رواتبهم لأكثر من ستة أشهر.
هل هناك وقت أفضل من الآن لمنح المجالس البلدية الإمكانات اللازمة من أجل مواجهة التحديات الاقتصادية الراهنة وتأثيرات الحرب، وتمكين هؤلاء العمال من الاستمرار في خدمة المجتمع؟
المستحقات الأسيرة
يوضح رئيس اتحاد بلديات بعلبك شفيق شحادة لـ"النهار" أن القانون ينص على وجوب تحويل وزارة المال الأموال المستحقة لللبلديات من بعض الوزارات والمؤسسات العامة إلى الصندوق البلدي المستقل، في أيلول من كل عام عن السنة السابقة. وكان مفترضاً أن تُسدد مستحقات سنة 2023 في أيلول الماضي، ولكن ياللأسف، لم يُفرج عن أي مبلغ حتى الآن، حتى عن مستحقات سنة 2022!
كذلك، كنّا نُقدّر مستحقات 2022 بناءً على الرسوم التي بدأت الدولة بفرضها في تلك السنة بسعر 15000 ليرة، بعدما كانت 1500 ليرة في السنوات السابقة. كنا نعتقد أنها عند احتساب الرسوم وفق السعر الجديد، ستُحدث فارقاً هائلاً في ميزانية البلديات يقدر بعشرة أضعاف.
غير أننا فوجئنا بأن المبلغ الذي سنحصّله احتسب على أساس سعر 2000 ليرة، ولا ندري كيف أجريت هذه الحسابات، وعلى أية أسس ومعايير، إذ كان مفترضاً أن نحصل على سعر 15000 ليرة كما هو مفترض أن تكون موازنة البلديات؟
لذلك، بدلاً من أن نقبض وفقاً لسعر 15000 وتالياً أن تزداد موازنة البلدية عشرة أضعاف، احتُسب على أساس 2000، كنا نتلقى ملياراً و200 مليون، وأصبح المبلغ الآن ملياراً و600 مليون".
أي سعر لأي رسوم؟
ويضيف: "ثمة سؤال نرغب في جواب توضيحي عليه، فالجميع يدركون أنه عام 2022 كان يجري احتساب الرسوم في الدولة والجمارك وكل شيء بناءً على سعر 15000. فلماذا يجري احتساب الرسوم البلدية فقط على أساس 2000؟ لا أحد لديه إجابة شافية، ولا أحد يستطيع تفسير ذلك، بما في ذلك جميع رؤساء البلديات.
علاوة على ذلك، فإن القانون والمنطق يشيران إلى أن الرسوم التي تتقاضاها الدولة عام 2023 وفقاً لسعر منصة صيرفة، أي 89 ألف ليرة، يجب أن تُحتسب بناءً على هذا الرقم.
يجب ألا نُعتبر مُثقلين بجميل حين نتحدث عن مستحقات 2023، إذ إن هذا حق للبلديات ينبغي أن يُعطى من دون تردد. كان علينا تسلّم هذه المستحقات في أيلول الماضي، ولكن لم يجر دفعها، مما يفرض علينا الحصول على سلفة في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها، خصوصاً مع تصعيد الحرب. إن كل ذلك يُعزز حاجتنا الى التكيف مع المتطلبات المُلقاة على عاتقنا كبلديات. لا يمكننا الاستمرار في انتظار أن تُمنح لنا هذه المستحقات منّة، بل يجب أن تُحوّل سلفة الخزينة أو مستحقات الخليوي عن عام 2023، والتي تقدر بحوالى ثلاث مليارات ونصف مليار بالنسبة الى حسابات اتحاد بلديات بعلبك، إضافة إلى مليار و600 مليون مستحقات من الصندوق البلدي عن عام 2022، مما يُجمل المجموع خمسة مليارات.
ومع حلول كانون الأول المقبل، سيجد الاتحاد نفسه مثقلاً بدين مقداره 11 ملياراً، وهو غالباً ما سيخصص لتغطية رواتب العمال".
حرمان موظفي البلديات
ويشير رئيس اتحاد بلديات شرق بعلبك المهندس علي شكر الوضع لـ "النهار"، الى "أن جميع القطاعات في لبنان قامت بتعديل الرسوم والمستحقات وفقاً لسعر صرف يبلغ 90,000 ليرة لبنانية، ويتعين على قطاع البلديات التكيف مع الأزمات الاقتصادية والصحية والأمنية، إلى جانب التحديات الاجتماعية العديدة. وبعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية وسعر صرف 1500 ليرة لبنانية، نشهد آثاراً سلبية على الوضع. وتقسيم مستحقات البلديات من الاتصالات على دفعتين، يزيد من معاناة البلديات التي تفتقر إلى رؤية واضحة أو دعم في هذه الظروف. والٱهم هو مخصصات الصندوق البلدي المستقل الذي يعدّ إسماً بلا معنى".
ويرى "أن تحويل الأموال إلى الصندوق البلدي يتطلب موافقة الحكومة بشكل جماعي، خصوصاً في غياب رئيس الجمهورية، إضافة إلى توقيع الوزارات المعنية التي تتولى جميعها سلطة الوصاية. وهذا الوضع يؤدي في النهاية إلى معاناة مستمرة ومشتركة بين البلديات الكبيرة والصغيرة".
ويعتبر "أن الحرب الحالية زادت من تفاقم الوضع، إذ حصل جميع موظفي الدولة والإدارات على مساعدات مالية إضافية، باستثناء موظفي البلديات الذين حُرموا حتى من مستحقاتهم السابقة نتيجة نقص السيولة المالية، بسبب عدم تحويل أموال الصندوق البلدي. وكأن موظفي هذا القطاع يعيشون في عالم آخر، أو أن الحكومة لا تعيرهم والبلديات التي يعملون فيها أي اهتمام. ورغم كل الظروف الأمنية والاقتصادية في المحافظة، تواصل البلديات وموظفوها جهود جمع النفايات وفتح الطرق المستهدفة، إضافة إلى القيام بالإحصاءات والمتابعة للأمور الضرورية للمواطنين".
في نهاية المطاف، بدلاً من أن تتعامل الحكومة مع البلديات بخطة طوارئ تخفّف بواسطتها من وقع الأزمات التي تعصف بالبلاد، وخصوصاً في المناطق التي تتعرض للعدوان، اختارت أن تدير ظهرها لها وأن تمضي في سياسة النعامة والتعامي عن أهم واجباتها.