شكّل "اليوم الأصعب" على إسرائيل بالأمس نقطة تحوُّل في الحرب المستمرّة منذ شهرين، بعدما شنّ "حزب الله" قُرابة الـ50 عملية وصلت بعضها إلى عُمق تل أبيب، وخلّفت أضراراً في قواعد عسكرية هامّة.
هذا التصعيد من قبل "حزب الله" قابله تصعيد إسرائيليّ عنيف ليلاً، حيث اهتزّ قلب الضاحية الجنوبية لبيروت مرات عديدة، مع شنّ الطيران الحربي الإسرائيلي حزاماً ناريّاً على 12 موقعاً سكنيّاً.
وتزامناً مع استعار الحرب في الساعات الأخيرة، برزت أجواء "إيجابية" بقُرب التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في الأيام المقبلة، قبل أن ينفي الموفد الأميركي آموس هوكشتاين بأن تكون "إسرائيل قد منحته ضوءاً أخضر لذلك".
وبين التأكيد والنفي، لا يزال الترقّب سيّد الموقف لما ستؤول إليه الأمور في مطلع الأسبوع، وما إذا كان التصعيد العسكري الأخير سيُشكّل مدخلاً لتسوية نهائية في لبنان.
"النهار" تواصل تغطيتها المباشرة لآخر التطورات السياسية والديبلوماسية والميدانية في لبنان وإسرائيل... لحظة بلحظة.
#عاجل إلى جميع السكان المتواجدين في منطقة الضاحية الجنوبية وتحديدًا في المباني المحددة في الخرائط المرفقة والمباني المجاورة لها في حارة حريك
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 25, 2024
⭕️أنتم تتواجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لحزب الله حيث سيعمل ضدها جيش الدفاع بقوة على المدى الزمني القريب
⭕️من أجل سلامتكم وسلامة… pic.twitter.com/4QQZGh2QhS
وجدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ الجيش الإسرائيلي شنّ غارات باستخدام قذائف ملقاة من الجوّ تشمل مجموعة "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" (Joint Direct Attack Munition) أميركية الصنع"، مشيرةً إلى أنّه "على الحكومة الأميركية تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الغارات العسكرية غير القانونية المتكرّرة على المدنيين، التي قد تجعل المسؤولين الأميركيين متواطئين في ارتكاب جرائم حرب".
في جديد الميدان، تعرّضت بلدات يحمر الشقيف، الجبل الأحمر بين حاروف وشوكين، زبدين، أرنون، كفرتبنيت، حرج علي الطاهر، محيط قلعة الشقيف، مجرى الليطاني بين زوطر وديرسريان، بين شوكين وميفدون، أطراف كفرصير، عين قانا إلى غارات إسرائيلية صباح اليوم.
يسود قلق بالغ أوساطاً سياسية لبنانية وخارجية من تداعيات موجات النزوح التي تسبّب بها القصف الإسرائيلي لمناطق واسعة جداً في جنوب لبنان وبقاعه والضاحية الجنوبية لبيروت، فبعد نزوح مئات آلاف اللبنانيين إلى مناطق أخرى، ثمّة تخوف من تفكّك اجتماعي يستتبع توترات أمنية، لجملة من الأسباب مرتبطة باختلاف البيئات السياسية والطائفية، والضغط المتزايد على البنى التحتية والاقتصاد.
لا تقديرات دقيقة لأعداد النازحين، وتختلف الأرقام بين جهة وأخرى، لكن ما بات مؤكداً أنها تُحصى بمئات الآلاف، وفي بعض التقديرات تتعدّى حافة المليون، ما يرسم صورة واضحة لجهة الاكتظاظ الحاصل في العديد من المناطق، والتي كانت أساساً تُعاني كثافة وجود نازحين سوريين، ما يُفاقم هذه المخاوف.
في جديد التطورات، نقلت "هيئة البث الإسرائيلية" عن مصدر إسرائيلي قوله إنّ "الضوء الأخضر أُعطي لإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان"، آملاً "الإعلان عنه في غضون يومين".
لم يكن أشد إثارةً لليأس بعد مرور شهرين على زحف الحرب من غزة إلى لبنان مع كل مجازرها، أن تتصاعد أنغام العزف المتهادي والبارد على مشروع وقف النار ذهاباً وجيئة في جولات مكوكية للوسيط الأميركي آموس هوكشتاين. علقنا بفضل من زجّنا في هذا الجحيم، في حلقة مرعبة دامية صار معدّل الضحايا اليومي فيها يتجاوز مقاييس حرب غزة ولا من يلتفت في العالم إلى مجزرة معمّمة بهذا الشكل ولا يجد لبنان موقعاً إلا نادراً في أولويات الأخبار العالمية. ولعلها من رمزيات الأقدار التي لا ندري ما إن كانت ساخرة أو دراماتيكية، أن نكتشف أن أشهر الموفدين الأميركيين إلى لبنان إبان حرب الـ15 عاماً، وتحديداً لدى نهاية عهد الرئيس أمين الجميّل عام 1988 الذي تلاه فراغ رئاسي مديد أيضاً، السفير السابق ريتشارد مورفي، قد تُوفي في الأيام الأخيرة.
بدت مخاوف جدية ساورت أوساطاً رسمية وسياسية وديبلوماسية لبنانية في الساعات الأخيرة من انهيار المفاوضات للتوصل الى وقف النار في لبنان في محلّها الموضوعي، بعد تصعيد وتيرة تبادل العمليات الميدانية الحربية والغارات الجوية وعمليات القصف الصاروخي بين إسرائيل و"حزب الله" إلى ذروة غير مسبوقة من دون اتضاح أي أفق لتحقيق وساطة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين اختراقا حقيقياً. ذلك أنه بالتزامن مع دخول الحرب التصعيدية شهرها الثالث، عكست وقائع اليومين الأخيرين انفجار الحرب على اقصى مدياتها في ثلاثة اتجاهات عبر تعمّق وتوسّع التوغل البري الإسرائيلي في جنوب الليطاني، واستشراس دموي في الغارات، على غرار مجزرة البسطا السبت الماضي، وتعميم المجازر الذي كانت حصيلته الشاملة 84 شهيداً، وتكثيف الهجمات الصاروخية بوتيرة عالية على شمال إسرائيل ووسطها واستهداف منطقة تل أبيب مرات بفاصل ساعات. مجمل هذه الوقائع تزامن مع عدم بلورة أي أفق عملي واضح بعد لمصير وساطة هوكشتاين على رغم المناورات التخديرية التي يتولاها الاعلام الإسرائيلي في ضخ معطيات متفائلة.