وَجَدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ الجيش الإسرائيلي شنّ غارات باستخدام قذائف ملقاة من الجوّ تشمل مجموعة "ذخائر الهجوم المباشر المشترك" (Joint Direct Attack Munition) أميركية الصنع"، مشيرةً إلى أنّه "على الحكومة الأميركية تعليق نقل الأسلحة إلى إسرائيل بسبب الغارات العسكرية غير القانونية المتكرّرة على المدنيين، التي قد تجعل المسؤولين الأميركيين متواطئين في ارتكاب جرائم حرب".
من جهته، قال ريتشارد وير، باحث أول في قسم الأزمات والنزاعات والأسلحة في "هيومن رايتس ووتش"، إنّ "استخدام إسرائيل الأسلحة الأميركية في هجوم غير قانوني وقتل الصحافيين بعيداً من أي هدف عسكري هو وصمة عار للولايات المتحدة وإسرائيل على حد سواء"، معتبراً أنّ "الغارات الإسرائيلية السابقة التي قتلت صحافيين من دون أي عواقب لا تبعث كثيراً على الأمل في محاسبة هذه الانتهاكات ضد الإعلام أو غيرها في المستقبل ".
والغارة الإسرائيلية التي شُنَّت فجر يوم الجمعة، 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، على منتجع "حاصبيا فيليج كلوب" في حاصبيا جنوبي لبنان، استهدفت أكثر من 12 صحافيّاً كانوا يقيمون منذ أكثر من ثلاثة أسابيع هناك، ممّا أدّى حينها إلى استشهاد ثلاثة صحافيين من قناتَي "الميادين" الفضائية و"المنار" التابعة لـ"حزب الله".
في تقريرها، لم تَجد "هيومن رايتس ووتش" "أيّ دليل على وجود قوات عسكرية أو نشاطات قتالية أو عسكرية في المنطقة وقت الهجوم". وتشير معلومات تحقّقت منها "هيومن رايتس ووتش"، إلى أنّ "الجيش الإسرائيلي كان يعلم، أو يُفترض أن يعلم، أنّ الصحافيين يقيمون في المنطقة وفي المبنى المستهدّف". وبعد إعلانه أن قواته قصفت مبنى (حيث يعمل إرهابيون)، قال الجيش الإسرائيلي بعد ساعات إنّ "الحادث قيد التحقيق".
قابلت "هيومن رايتس ووتش" ثمانية أشخاص كانوا يقيمون في المنتجع أو في جواره، بينهم ثلاثة صحافيين مصابين ومالك المنتجع. وزارت "هيومن رايتس ووتش" أيضاً الموقع في 1 تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، وتحقّقت من ستة فيديوهات و22 صورة للغارة وآثارها، بالإضافة إلى صور الأقمار الصناعية. وفي إطار تحقيقها، لم تتلقَّ المنظمة الحقوقية أيّ رد على الرسائل الموجهة إلى الجيش الإسرائيلي في 14 تشرين الثاني (نوفمبر) التي تضمنت نتائج التحقيق وأسئلة، وإلى الجيش اللبناني في 5 تشرين الثاني (نوفمبر) التي تضمنت أسئلة، بحسب ما أوردت عبر موقعها الإلكتروني.
بحسب المقابلات وصور كاميرات المراقبة التي يظهر التوقيت عليها، شُنت الغارة على المبنى الذي يُقيم فيه الصحافيون بُعيد الساعة 3 فجراً، حيث كان معظم الصحافيين نياماً. قال زكريا فاضل (25 عاماً)، وهو مساعد مصور في مؤسسة "إنترناشونال ستوديوز أوف ليبانون" (أيسول) التي تُقدّم خدمات البث الإذاعي والتلفزيوني في لبنان، إنّه "كان يغسل أسنانه عندما طار في الهواء جراء الانفجار".
سقطت قنبلة على المبنى المؤلّف من طابق واحد، وانفجرت عند ارتطامها بالأرض. أدّى الانفجار إلى مقتل الصحافي والمصوّر التلفزيوني غسان نجار، ومهندس البث الفضائي محمد رضا، وكلاهما يعمل في قناة "الميادين"، ومصور قناة "المنار" وسام قاسم.
تحقّقت "هيومن رايتس ووتش" من فيديوهات التُقطت بعد الغارة بدقائق، يظهر فيها المبنى المستهدف مدمَراً بالكامل ومبانٍ متضررة في الجوار. أوقعت الغارة جداراً في مبنى ملاصق، ممّا أدى إلى إصابة المصوّر التلفزيوني في أيسول حسن حطيط (48 عاماً) إصابة خطيرة، وإلى تضرّر مبنى صغير يبعد نحو 10 أمتار، وجرح صحافيين آخرين، بينهم المصوّر في قناة "الجزيرة" القطرية علي مرتضى (46 عاماً).
قال مرتضى إنّه استيقظ جرّاء الانفجار وتساقط قطع من الإسمنت عليه، فأصيب في وجهه وذراعه اليمنى. عندما توقّف الحطام عن التساقط، ذهب ليطمئن على زملائه. فوجد، هو وآخرون، حطيط مصاباً، والمبنى المستهدف مدمّراً. قال مرتضى إنه رأى جثّتَي وسام ونجار في مكان قريب، وأشلاء رضا على مسافة أبعد.
وقال إيهاب العقدي، مراسل "الجزيرة" الذي كان يقيم في المنتجع، إنه رأى جثثا وأجزاء من جثث الصحفيين القتلى.
من جهته، قال أنور غيدا، مالك المنتجع، إنّ الصحفيين قدموا إلى المنتجع في 1 تشرين الأول (أكتوبر)، بعدما أمر الجيش الإسرائيلي بإخلاء منطقة جنوبي حاصبيا، وكان الصحافيون ينقلون الأخبار من منطقة إبل السقي، التي شملها أمر الإخلاء.
ويتابع تقرير "هيومين رايتس ووش": قال الصحفيون إنّهم، منذ 1 تشرين الأول (أكتوبر) ولغاية الغارة، كانوا يقومون بجولات روتينية ومتكرّرة، وينقلون الأخبار من منطقة حاصبيا، وغالباً ما يقومون بتغطية مباشرة من على تلة تُشرف على أجزاء كبيرة من جنوب لبنان. وأضاف الصحافيون إنّهم كانوا يغادرون المنتجع في الصباح ويعودون مساءً، في الوقت نفسه تقريبا من كل يوم. ومعظم آلياتهم تحمل شارة "Press" أو "TV" كبيرة.
وأضاف الصحافيون إنّهمك كانوا يسمعون صوت المسيّرات فوق المنطقة من دون انقطاع، ما يُرجّح أنّ المنطقة كانت تحت المراقبة الإسرائيلية، فيما لم يقع أي هجوم على بلدة حاصبيا.قبل 25 أكتوبر (تشرين الأول).
ومنذ بدء الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" في 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، استهدف الجيش الإسرائيلي عدداً من الصحافيين أو المكاتب الصحافية، ومنها مكتب قناة "الميادين" في بيروت.
بدورها، قالت "لجنة حماية الصحفيين" إنّ الغارات الإسرائيلية قتلت ستة صحافيين لبنانيين على الأقل بين 8 تشرين الأول (أكتبوبر) 2023 و29 تشرين الأول (أكتوبر) 2024.
إلى ذلك، وجدت "هيومن رايتس ووتش" أنّ هجوم 13 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، الذي قتل مصوّر "رويترز" عصام عبد الله وجرح ستة صحافيين آخرين، "كان جريمة حرب مفترضة". أما في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) 2023،فقد قتلت غارة إسرائيلية مراسلَيْن لبنانيَّيْن في "الميادين"، هما ربيع المعماري وفرح عمر، ومساعدهما حسين عقيل، في بلدة طير حرفا جنوبي لبنان.
وجدت هيومن رايتس ووتش شظايا في موقع الغارة، وراجعت صور شظايا جمعها مالك المنتجع، ووجدتها متطابقة مع مجموعة توجيه ذخائر الهجوم المباشر المشترك، من صُنع وبيع شركة "بوينغ". كما وجدت المنظمة بين الشظايا جزءاً من نظام تشغيل مجموعة التوجيه، الذي يُحرّك الأجنحة. كان يحمل رمزاً رقميّاً، يُحدّد أنه من صنع "وودارد"، وهي شركة أميركية تصنّع أجزاء لأنظمة توجيه الأسلحة، بما في ذلك ذخائر الهجوم المباشر المشترك. تُثبَّت ذخائر الهجوم المباشر المشترك على القنابل التي تُلقى من الجو، وتسمَح بتوجيهها نحو الهدف باستخدام إحداثيات الأقمار الصناعية، ما يجعل السلاح دقيقا في حدود بضعة أمتار.
وفي هذا الإطار، وجّهت "هيومن رايتس ووتش" كتاباً إلى "وودارد" في 14 تشرين الثاني (نوفمبر)، لكنّها لم تتلقَّ أي رد حتى الآن.
وبموجب "المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان" التي وضعتها الأمم المتحدة، و"المبادئ التوجيهية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بشأن الشركات متعددة الجنسيات"، والمبادئ التوجيهية ذات الصلة، تتحمّل الشركات مسؤولية وقف أو منع أو تقليل أو تعويض أي خرق محتمل للقانون الإنساني الدولي تتسبّب به، أو تساهم فيه، أو تربط به.
بحسب المنظمة، فإنّه نظراً إلى سجلّ إسرائيل الحافل بخروقات قوانين الحرب وغياب المحاسبة، على الشركات أن توقف بيع الأسلحة، وتستعيد جميع الأسلحة المباعة حيث أمكن، وتوقف جميع خدمات الدعم للأسلحة المباعة.
وكانت "هيومن رايتس ووتش" وثّقت سابقاً استخدام الجيش الإسرائيلي غير القانوني للأسلحة أميركية الصنع في غارة في آذار (مارس) قتلت سبعة مسعفين في جنوب لبنان.
ويحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، الغارات على المدنيين والأهداف المدنية.
يُعتبَر الصحافيون مدنيين ويتمتعّون بحماية ضد الغارات طالما أنّهم لا يشاركون مباشرة في الأعمال العسكرية. ولا يمكن استهداف الصحافيين بسبب عملهم الصحتفي، حتى لو اعتبر الفريق المعادي أنّهم منحازون ويُستخدمون للدعاية. وعند شن أي هجوم، على الأطراف المتحاربة اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتقليل الأذى بالمدنيين والأضرار اللاحقة بالأعيان المدنية. وهذا يشمل اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية للتحقّق من أن الأهدافَ عسكريةٌ.
وفي تقريرها، قالت "هيومين رايتس": "الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لقانون الحرب بنيّة إجرامية – عمداً أو بتهوّر – يمكن مقاضاتهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب. ويمكن اعتبار الأفراد مسؤولين جنائيا إذا ساعدوا على ارتكاب جرائم حرب أو سهّلوها أو حرّضوا عليها"، داعيةً لبنان لأن "يقبل فوراً اختصاص المحكمة الجنائية الدولية من أجل تفويض مدعي المحكمة للتحقيق في الجرائم الدولية الجسيمة المرتكبة على أراضيه".
أضافت: "على حلفاء إسرائيلالرئيسيين الولايات المتحجة، بريطانيا، كندا، وألمانيا تعليق الدعم العسكري وبيع الأسلحة لإسرائيل، نظراً إلى الخطر الفعلي أنها ستُستخدم لارتكاب انتهاكات جسيمة"، معتبرةً أنّ "سياسات الولايات المتحدة تحظر نقل الأسلحة إلى دول "يُرجّح جدّاً" أنّها ستستخدمها لخرق القانون الدولي".
وقال وير: "مع تزايد الأدلة على استخدام إسرائيل غير القانوني للأسلحة الأميركية، في أفعال تشمل ارتكاب جرائم حرب مفترَضة، على المسؤولين الأميركيين أن يقرروا ما إذا كانوا سيلتزمون بالقوانين الأمريكية والدولية عبر وقف عمليات بيع الأسلحة إلى إسرائيل، أو سيخاطرون باعتبارهم متواطئين بحكم القانون في ارتكاب انتهاكات جسيمة".