...وفي اليوم الخامس والستين للعدوان الإسرائيلي، صمتت الغارات الجوية وغاب هدير طائرات الموت والتدمير عن بعلبك - الهرمل، شمال شرق البقاع اللبناني، مع دخول وقف النار حيز التنفيذ اعتباراً من الرابعة فجراً.
غير أن الساعات التي سبقت هذا الموعد، كانت دامية وشديدة العنف، إذ استهدفتها الطائرات الاسرائيلية بأكثر من 70 غارة مخلفة 37 شهيداً و 24 جريحاً، خصوصاً في مدينة بعلبك وبريتال وبيت مشيك والنبي شيت.
ولوحظ بوضوح تأخر عودة النازحين، إذ لم تشهد الشوارع سوى مرور عدد قليل من السيارات حتى العاشرة صباح اليوم، عندما بدأت قوافل السيارات بالمرور وإن خجولة، وأرجع هذا التأخير إلى الظروف الجوية القاسية، وتدني درجات الحرارة الى ما دون الصفر.
بعد العاشرة صباحاً، بدأ المشهد يتبلور مع توافد أرتال السيارات من بوابة عرسال الى دير الأحمر والبقاع الشمالي، في اتجاه بعلبك وقراها، إيذاناً بعودة الحياة الى المدينة والمنطقة، حيث دبّت الحركة مجدّداً في شوارعها الممزقة وشرايينها المقطعة.
العائدون لم ينتظروا أمراً أو قراراً، فالأرض أرضهم والبيوت ستبنى لهم وتعمر من جديد، كما اكدوا لـ"النهار".
بعضهم حزم أمتعته وما توافر له من فرش وحاجات وانطلق، فيما قرر بعضهم الآخر التريث لبعض الوقت من أجل أن يتأكد من تأمين مأوى له بعد تدمير منزله.
ولم يكن العائدون من الذين نزحوا الى البقاع الشمالي فحسب، بل أيضاً من الذين قصدوا البقاع الأوسط ومناطق المتن الشمالي في جبل لبنان، والتقت غالبيتهم عند مستديرة الجبلي في دورس.
رحلة العودة الى قرى غرب بعلبك وشرقها أشبه برحلة الى منطقة ضربها زلزال حاقد بقوة تتخطى المقاييس، إلا عند آلة التدمير الاسرائيلية، فلولا معرفة الأهالي ببلداتهم لضاعوا بين الركام والدمار، ولما عرفوا أين يقفون ولا أين هم!
بوداي من أكثر القرى التي تعرضت للدمار، وقد تغيرت معالمها بالكامل: سيارات محترقة، طرق مقطوعة، ركام ودمار في كل زاوية... هنا امرأة تبكي ما أصاب منزلها، وهناك مسن يبكي ضياع جنى عمره، وطفلة تفتش عن لعبة فقدتها كأحلامها بين الركام.
أين يذهبون؟ الآن لا جواب عند أحد. هول الصدمة لا يزال بادياً عليهم. يجمعون على أنهم توقعوا تدميراً... ولكن ليس بهذا الشكل.
للحظات لا يستوعب المرء ما يرى، ولا يصدق حجم الوحشية التي تعرضت لها هذه البلدات.