"حين اختارت ابنة مدينة بعلبك، القديسة بربارة، السير في درب الإيمان بالمسيح، لم يُثنها عن ذلك بطش الرومان أو تهديداتهم التي مضى عليها الزمن واليوم، في عيدها، يستمد أهالي بعلبك بمسيحييهم ومسلميهم، شجاعتهم من معاناة القديسة بربارة وثباتها، حيث واجهوا تحديات قاسية هددت وجودهم وهويتهم العريقة".
بهذه العبارات، عبر لـ"النهار " المدبر البطريكي لأبرشية بعلبك للروم الملكيين الكاثوليك المطران جاورجيوس إدوار ضاهر، عن جوهر عيد البربارة لهذا العام، مستحضراً الأبعاد الروحية والتاريخية التي تنطوي عليها هذه المناسبة، وأهمها التأمل في سيرتها البطولية، ونستقرئ إيمانها القوي وعلى هذا النحو نكون لبسنا وجهها واحتفلنا حقاً بعيدها" .
وأرسل المطران ضاهر عبر "النهار" رسالة محبة وإخاء إلى أبناء بعلبك، وخاصةً إلى أحبائنا المسيحيين، داعياً إياهم للعودة إلى جذورهم وتراثهم في مدينة الشمس، ليعودوا إلى مدينتهم، ويحافظوا على منازلهم وأراضيهم، تلك المدينة التي تحتضن في جنباتها عبق التاريخ، يجب علينا أن نستمد الإلهام من رسالة القديسة الشهيدة بربارة التي واجهت الشهادة بثبات وصمود أمام المحن وشهدت لها حياتها، ونحن نواصل إحياء ذكراها في قلوبنا على مر السنين، نصلي من أجلها ونسأل شفاعتها.
وعلى الرغم من قلة عددهم، أصر مسيحيو مدينة بعلبك على الاحتفاء بعيد شفيعتهم وحاميتهم، "ابنة المدينة" القديسة بربارة، أو كما يفضل أهلها تسميتها "بربارة البعلبكية - شهيدة المدينة"، حيث لم تغب احتفالات هذا العيد عن المدينة ومحيطها هذا العام، وعلى بعد أمتار قليلة من معبد "فينوس أو البربارة" الروماني التاريخي، شهدت كنيسة القديستين بربارة وتقلا في ساحة المطران قداس العيد.
وترأس القداس المطران ضاهر، وعاونه كل من الأرشمنديت يوسف شاهين وكاهن الرعية الأب مروان معلوف، إضافة إلى رئيس أنطش سيدة المعونات الأب شربل طراد، بحضور أبناء الأبرشية ومشاركة جوقة الأبرشية.
ألقى المطران ضاهر عظة عبّر فيها عن شكره لله تعالى لتوقف الحرب العنيفة التي اجتاحت لبنان، وخصوصاً منطقة بعلبك، آملاً أن يعم السلام أرجاء العالم كله، ورأى أن دعوة القديسة بربارة اليوم "تحطيم الأصنام التي تعيق إيماننا الصادق بالله، والعودة إلى المحبة الحقيقية التي تتجسد في جوهر الحياة المسيحية. إنها دعوة للتفكر في مسيرتها وتعلم الشجاعة منها في مواجهة التحديات التي تفرضها أصنام عصرنا. فليكن سؤالنا: ما هي الأصنام التي تهيمن على حياتنا المعاصرة؟ هل هي الأنانية وعبادة المال على حساب قيم العدل والمحبة؟ أم هي فساد الحكام والمسؤولين وسعيهم المستمر لنهب المال العام؟ أم هي القسوة وغياب الرحمة وشن الحروب على الأبرياء؟
واعتبر أن عيد الشهيدة بربارة فرصة للتأمل في ذواتنا، لنسأل أنفسنا: هل نعكس وجه يسوع أم نرتدي وجهًاً آخر؟ هل صورته تجسد فينا، أم أننا نسعى لتمثيل صورة مختلفة؟ هل فكرنا يوماً في أن نتزين بقناع هو وجه الشفيع الذي نحمل اسمه؟ وبعبارة أخرى، هل تجرأنا على الاقتداء بسيرة هذا القديس الذي سُمِّينا باسمه ونسعى لنيل شفاعته؟
وختم القداس بالصلاة لأجل راحة نفوس الشهداء الأبرياء الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة، والتضرع من أجل الشفاء العاجل لجميع الجرحى والمتألمين الذين يعانون تعات هذه الحرب.
وأكد لـ"النهار" المونسنيور بول كيروز أنه يجب من خلال إلهام عيد القديسة بربارة، نتذكر أن إيماننا بالله وبوطننا لبنان يجب أن يبقى راسخاً، مهما تعاظمت الصعوبات واشتدت الأزمات والحروب. من هنا ينبغي علينا أن نتخلى عن كل ما يعكر صفو هذا الإيمان، حتى في وجه الموت والتحديات القاسية، فلا بد من تجاوز الأنانية ومصالحنا الشخصية. فلنحرص على الحفاظ على القيم النبيلة ولنسعَ جاهدين لتحقيق الأهداف السامية، مع إعطاء الأولوية لإنقاذ وطننا لبنان من براثن الفوضى.
وقالت السيدة سهام ألوف لـ"النهار": "إن قوة ثبات القديسة بربارة في هذه الأرض قد جعلت منها رمزاً يُحتذى لجميع أبناء البقاع الشمالي الذين يواجهون شتى أنواع الحرمان والإهمال والصعوبات. إذ يجدون في القديسة شفيعةً تلهمهم بالعزيمة وتحثهم على الاستمرار في هذه الحياة تحت عناية ورعاية إلهية".
تباينت آراء الرواة حول موطن القديسة "الشهيدة بربارة" ، فكل منهم نسبها إلى موطن مختلف، إلا أن الأرجح تاريخياً أنها وُلِدَت في "هليوبوليس" فينيقيا، التي تُعرف أيضاً ببعلبك مدينة الشمس. ومن هنا، يحرص الأهالي على الحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة التي تتجدد مع كل عام، حيث تُقام في المنازل طقوس تتعلق بالعيد، تشمل تقليد القمح المسلوق، وحلويات العيد الشهية مثل المعكرون والعوامة والمشبك، لتصبح هذه التقاليد رموزاً حية تعكس روح الاحتفال.