النهار

النهار

ماذا وراء خسائر إسرائيل الكبيرة في لبنان رغم محدودية عمليتها البرّية؟
جاد ح. فياض
جاد ح. فياض
المصدر: "النهار"
بالنسبة لإسرائيل، فإن أعداد القتلى من شأنها أن تحيي ذكريات صعبة عن غزو لبنان في عام 2006، عندما اصطدمت أول دبابة عبرت الحدود بقنبلة على جانب الطريق وقُتل أربعة جنود".
ماذا وراء خسائر إسرائيل الكبيرة في لبنان رغم محدودية عمليتها البرّية؟
صور نصرالله في لبنان (أف ب ).
A+   A-

لم يمضِ على إعلان إسرائيل بدء عمليات برّية "محدودة" في لبنان إلّا أياماً قليلة، لكن الخسائر البشرية التي يتكبّدها جيشها ملحوظة، وقد أعلنت عن مقتل عدد من ضبّاطها وجنودها، في حين نقلت وسائل إعلام عربية وأجنبية أرقاماً أخرى تفوق الأعداد الرسمية، ما يطرح أسئلة بشأن جهوزية إسرائيل لهذه العملية، واحتمال تراجعها عنها في حال كانت قيمة الخسائر تفوق جدوى النتائج.

وما يطرح أسئلة إضافية هو التوغلات المعدودة والمحدودة جداً رغم التحذيرات التي أطلقها الجيش الإسرائيلي لسكّان بلدات حدودية كثيرة. وفي حين يقول خبراء عسكريون إن إسرائيل لا تزال تستطلع بالنار قدرات "حزب الله" لتكتشف حجم الضرر الميداني للاغتيالات التي قامت بها والتدمير الذي نفّذته، يقول خبراء آخرون إن "حزب الله" يُظهر قوّة برّية ملحوظة تؤخّر التوغلات العميقة والكثيفة.

في هذا السياق، تنقل صحيفة "واشنطن بوست" عن خبراء قولهم إن "استمرار وتيرة الخسائر الإسرائيلية قد يؤثر على عمق ونطاق الهجوم، وبالنسبة لإسرائيل، فإن أعداد القتلى من شأنها أن تحيي ذكريات صعبة عن غزو لبنان في عام 2006، عندما اصطدمت أول دبابة عبرت الحدود بقنبلة على جانب الطريق وقُتل أربعة جنود".

ينسب خبراء عسكريون الخسائر البشرية في صفوف الجيش الإسرائيلي إلى عدد من العوامل، الأول يكمن بنقص العناصر في الجيش الإسرائيلي بسبب حرب غزّة، وقبل أسابيع قليلة، أعلنت إسرائيل تدريب قوات بحرية على القتال البرّي. العامل الثاني كان نقص الذخيرة إثر قتال غزّة أيضاً. أما العامل الثالث فهو قدرات  "حزب الله" في القتال البرّي ومعرفته تضاريس المنطقة.

يُقدّر الجيش الإسرائيلي أن "حزب الله" لديه ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل من النخبة، يعملون على بعد ميلين تقريباً من الحدود، وهم معروفون باسم "قوة الرضوان". ووفقاً لمسؤول عسكري إسرائيلي، تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، فإنّ 6000 إلى 8000 مقاتل إضافي يتمركزون على بعد ستة أميال من الحدود.

وبحسب ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة في الجيش الإسرائيلي والتي تم اطلاعها على المداولات الأمنية، فإن الجيش الإسرائيلي يُدرك أنه قد يتورط في قتال المسلحين في جنوب لبنان "حيث يوجد حزب الله، وهم يعرفون أين توجد أفخاخهم، وأين يمكنهم الاختباء".

ويُضاف إلى القدرات البشرية البنية التحتية التي شيّدها "حزب الله" في الجنوب، والتي تضم منصّات إطلاق صواريخ ومخازن أسلحة وأنفاق. وبتقدير المسؤول العسكري، فإن القوات الإسرائيلية ستحتاج إلى "بضعة أسابيع" لتدمير البنية التحتية في المنطقة.

العملية البرّية تعزّز قدرة "حزب الله"؟
"
ما هو عمق الغزو؟ ما هو حجم الأراضي التي سيتم تطهيرها (من "حزب الله")؟ نحن لا نعلم"، هذا ما قاله ياكوف أميدرور، وهو لواء سابق ومستشار سابق للأمن القومي الإسرائيلي. وأضاف: "سوف يتم تحديد ذلك اعتماداً على ما سيتم تحقيقه على الأرض".

من جهته، يقول مايكل هورويتز، رئيس قسم الاستخبارات في شركة "لو بيك" الاستشارية المتخصصة في المخاطر إن "الجيش الإسرائيلي والمستويات السياسية الإسرائيلية لا تريد أن تتورّط في عملية مطولة من شأنها أن تعزز قوة "حزب الله"، بعد أن عانى من ضربات كبيرة. ولكن من السهل أن نقول هذا ومن الصعب أن نفعله".

وفي هذا السياق، يتفق مراقبون على أن "حزب الله" قد يستعيد جزءاً من قوّته المعنوية في حال تمكّن من صد الهجوم الإسرائيلي البرّي وإيقاع عدد كبير من القتلى في صفوف جيش إسرائيل، بعدما خسر الكثير إثر الاغتيالات التي حصلت وطالت أمينه العام السيد حسن نصرالله، والتدمير الواسع الذي طال مواقعه ومخازنه.

اجتياح برّي طويل الأمد؟
ومع العلم أن الجيش الإسرائيلي قد يرغب في التركيز على القرى الواقعة على "خط المواجهة الأول" على بعد ستة أميال من الحدود، إلا أن هورويتز قال إن هناك دائماً "خطر انتشار القتال". وتساءل: "ماذا يحدث إذا تعرّضت قوات الجيش الإسرائيلي لإطلاق نار من مواقع تقع شمال تلك القرى على سبيل المثال؟".

"
وما دامت إسرائيل تسعى إلى خيارات عسكرية من دون مسارات سياسية أو ديبلوماسية، فإنها تخاطر بالانجراف إلى حملة أطول أمداً"، بحسب هورويتز.

وتستذكر الصحيفة الأميركية تجربة اجتياح إسرائيلي لم يكن محدوداً، ولفتت إلى أنه "في المرة الأولى التي غزت فيها إسرائيل لبنان في عام 1978، في محاولة لتدمير القواعد التي أنشأها المسلحون الفلسطينيون، سعت في البداية إلى احتلال ستة أميال من الأراضي، ولكن بعد ثلاثة أيام، قرر الجيش التقدم حتى نهر الليطاني، ولم تغادر القوات الإسرائيلية حتى العام 2000".

وفي العام 1982، وسّعت إسرائيل عملياتها البرّية، فتوغّل جيشها ووصل إلى بيروت، وعاد وانسحب منها بعد فترة.

منطقة عازلة؟
وتسأل الصحيفة الأميركية "كيف ستحافظ إسرائيل على أي مكاسب تحققها ضد حزب الله؟". في هذا السياق، يقول هورويتز إن "المنطقة العازلة داخل الحدود من شأنها أن تجعل القوات الإسرائيلية عُرضة للخطر"، وستكون بمثابة "هدية لحزب الله".

وبدلاً من ذلك، يُمكن فرض هكذا منطقة من خلال "سياسة إسرائيلية صارمة للغاية" تستهدف أي شخص يدخل المنطقة المحددة، كما قال إفرايم سنيه، وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق وقائد القوات الإسرائيلية في "المنطقة الأمنية" في جنوب لبنان في أوائل الثمانينيات.

لكن، وجب العودة في هذا الإطار إلى آخر خطابات نصرالله، حينما ذكّر  بالمناطق العازلة التي انشأتها إسرائيل، والتي حاربها "حزب الله" وقصفها حتى وصل الأمر بالجيش الإسرائيلي إلى الانسحاب من جنوب لبنان في العام 2000، وبالتالي أي منطقة عسكرية جديدة ستكون هدفاً لهجمات الحزب.

إلا أن سنيه يقترح "نشر قوّة لبنانية أو دولية فعالة على الأرض لمنع حزب الله من إعادة بناء قدراته العسكرية".

في المحصّلة، يبدو أنّ الاجتياح البرّي لجنوب لبنان لن يكون مهمّة سهلة، بل من المتوقع أن تُفرض الكثير من التحديات على إسرائيل، وقد يكون لها نتائج عكسية، بانتظار ما سيفرزه الميدان.