صورة كبيرة لنصرالله في بغداد (أ ف ب).
لم يكشف "حزب الله" عن كامل ترسانته العسكرية وقدراته، وهذا ما يؤكّده الحزب على لسان قيادييه وببيانته الرسمية، إذ يقول ما مضمونه إن في جعبته المزيد ليواجه به إسرائيل، وفي بيان "المقاومة الإسلامية" الأخير، قالت إن "يدها قادرة على أن تطال حيث تريد في فلسطين المحتلة، ونيرانها باتجاه العمق الصهيوني لن تقتصر على الصواريخ ولا المسيّرات الانقضاضية".
تفتح هذه النقطة الباب على سؤالين، السؤال الأول ماذا يخبّئ "حزب الله" في جعبته من قدرات عسكرية لم يكشف عنها بعد وقادر على إدخالها إلى ميدان المعركة؟ والسؤال الثاني، في حال توافرت قدرات عسكرية عالية المستوى، فهل هو قادر على اتخاذ القرار السياسي والعسكري بتوظيفها في الاشتباك، أم أنها محظورة الاستخدام؟
حتى الآن، استخدم "حزب الله" جزءاً من ترسانته الصاروخية التي استهدف بها حيفا وضواحي تل أبيب، وبينها صواريخ بالستية وأخرى نوعية موجّهة، كما استخدم سلاح المسيّرات، وقاتلت قوّاته البرّية في المناطق الجنوبية التي توغّل فيها الجيش الإسرائيلي، فيما الكشف عن باقي ما في جعبته صعب بسبب السرّية العسكرية، لكن في هذا التقرير سنُحاول استعراض الاحتمالات.
يتحدّث الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور حسن الجوني عن ثلاثة مستويات في الحرب يُمكن لـ"حزب الله" أن يُقاتل عبرها ويطوّر أساليبها:
المستوى الأول هو الحرب الأمنية، وبرأي جوني، فإن الحزب "قد يُفاجئ إسرائيل بعمليات أمنية كالتخريب والاغتيال واستهداف المصالح، داخل إسرائيل وخارجها في دول أخرى، تقوم بها خلايا نائمة له".
وفي هذا السياق، وجب التذكير بالوحدة 910 في "حزب الله"، التي يقودها طلال حمية، والتي تقوم بعمليات أمنية تستهدف المصالح الإسرائيلية خارج إسرائيل.
المستوى الثاني وهو الحرب العسكرية، وإلى جانب القوّة الجوية، قد يلجأ "حزب الله" إلى القوّتين البرّية والبحرية، فتقوم قوّات "الرضوان" بتوغلات في الداخل الإسرائيلي وتنفّذ عمليات في مستوطنات شمالية، وقد تتسلل هذه الوحدات عبر الأنفاق، كما أن قواته البحرية قد تنفّذ عمليات ضد الساحل الإسرائيلي وتستخدم صواريخ أرض – بحر وألغاماً بحرية واستهداف منشآت طاقة، حسب جوني.
المستوى الثالث هو النفسي، والذي تلعب دوراً كبيراً في الحرب، وقد بدأ بمجرّد إعلان "حزب الله" عن إمكانيات لم يكشف عنها بعد قادرة على أن تطال الداخل الإسرائيلي، وفي هذا السياق، يستبعد جوني أن يكون الإعلان مجرّد تهويل وتهديد لفظي، لا بل يتوقع أن يكون ثمّة في الجعبة ما لم يكشف عنه "حزب الله".
لماذا تأخر "حزب الله" في استخدام تقنيات جديدة؟
هذا على مستوى القدرات المحتملة، أما عن سبب تأخّر "حزب الله" لجهة استخدام هذه القدرات العسكرية رغم مرور أسابيع على بدء الحرب الواسعة واغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وتهجير سكّان الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، فينسب جوني هذا الأمر إلى سببين محتملين:
السبب الأول هو احتمال وصول هذه الأسلحة والقدرات العسكرية مؤخراً، بمعنى آخر أن "حزب الله" لم يكن يمتلك هذه الأسلحة والتقنيات والوسائط العسكرية وإيران قد تكون أرسلتها إليه.
السبب الثاني هو أخذ "حزب الله" بالاعتبار البُعد الزمني الطويل المُحتمل للحرب، وتكتيك عدم الكشف بشكل كامل عن القدرات العسكرية دفعةً واحدة.
هل يقوم "حزب الله" بتصعيد نوعي؟
امتلاك "حزب الله" التقنيات العسكرية والقدرات البشرية ليس كافياً لمهاجمة الداخل الإسرائيلي والتصعيد، لأن ذلك يتطلّب قراراً سياسياً من قيادة الحزب من جهة، والتنسيق مع إيران من جهة أخرى، كون أي تصعيد قد يُقابل بتصعيد إسرائيلي آخر تكون نتائجه غير محسوبة على مستوى المنطقة لا لبنان فحسب.
إذ ورغم إعلان "حزب الله" مراراً عن قدرته على استهداف منصّة كاريش، فإنّه لم يفعل ذلك بسبب وجود محاذير كثيرة إسرائيلية ودولية، كون هذا المرفق مرتبطاً بأمن الطاقة، وأي استهداف له ستكون له تبعات كبيرة.
في هذا السياق، يرى جوني أن "التصعيد الإسرائيلي الذي وصل إلى مستويات متقدمة جداً لم يترك خياراً أمام "حزب الله" سوى التصعيد بالمقابل وإعادة التوازن إلى معادلات الردع، والأيام المقبلة ستكشف ما في جعبة الحزب".
في المحصلة، وجبت مراقبة الميدان في المرحلة المقبلة لمعرفة نوع القدرات العسكرية التي سيستخدمها، إلّا أن عدم إقران تهديده بفعل سيحمل معانيَ كثيرة، على رأسها أن "حزب الله" لم يعد قادراً على تقديم جديد، إما لغياب القدرات العسكرية، أو لغياب القرار السياسي.