رندة تقي الدين
لم تفلح مساعي الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لوقف امداد اسرائيل بالأسلحة لحثها على وقف حربها على غزة ولبنان، خصوصا لدى حليفه الاميركي، فرغم حصوله على بيان مشترك من نظيره الاميركي جو بايدن حول هدنة ٢١ يوما لم يتم اقرارها، لم يحصل من الجانب الاميركي على وقف تصدير الولايات المتحدة أسلحة الى اإسرائيل.
ورد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على ما نصح به الرئيس الفرنسي حلفاءه، بغطرسته المعهودة، بخطاب علني بعيد كل البعد عن الدبلوماسية. والموقف الفرنسي الذي عبر عنه ماكرون يعكس سياسة فرنسية ديغولية تقليدية ليست منحازة الى إسرائيل وتبحث عن السلام في المنطقة. لكن المشكلة هي في وضع الرئيس الفرنسي الداخلي في ظل تأييد شعببي متراجع ووسط طبقة سياسية مؤيدة بمعظمها لإسرائيل بشكل اعمى. كما أن معظم الأوساط الإعلامية الفرنسية الكبرى، باستثناء بعض الصحف مثل "لو موند" و"لاكروا" وغيرها قليل، تتجاهل فضيحة منع إسرائيل الصحافة الغربية الحرة من الدخول الى غزة لنقل ما يحصل.، اذ لم يسمع الكثير من الانتقادات خلافا لما تتكون عليه الحال في حال حصل المنع في دولة عربية.
ان عجز ماكرون الأساسي ليس نابعا فقط من تراجع التاييد الشعبي، ولكن أيضا من موقف اميريكي مساند لإسرائيل بشكل اعمى. فبايدن اتفق على بيان مشترك مع ماكرون لكنه ظل يمد الدولة العبرية بالسلاح يوميا ويؤيد ما تفعله في لبنان . وهو ومبعوثه الى المنطقة آموس هوكشتاين على قناعة بأن إسرائيل انهت "حزب الله" وان اغلاقها الحدود والمعابر بين لبنان وسوريا يساعد على وقف مرور الاسلحة الى لبنان من سوريا وايران .
باريس لا تتفهم هذا الموقف الاميركي لأنها تدرك لنه لا يمكن، كما تقول الدولة العبرية والإدارة الاميريكية، انشاء لبنان جديد مع اكثر من مليون نازح من الشيعة اللبنانيين المشردين في الشوارع، وفي ظل حرب مستمرة وبلد يعاني من فراغ رئاسي . وتلمس باريس بالوقائع كذب المسؤولين الاسرائيليين الذين تتواصل معهم الأوساط الفرنسية المسوؤلة لتسألهم عن نواياهم في استمرار الحرب على لبنان فيدعون انها مسألة أيام قليلة في حين يصرحون بان لدى الحزب عشرات آلاف الصواريخ وترسانة أسلحة لقتال اسرائيل وهم مصممون على انهائها.
وسيعقد ماكرون مؤتمراً خلال هذا الشهر لدعم النازحين والجيش، لكن يبقى السؤال هو الى من تقدم الاسرة الدولية الأموال في غياب رئيس وحكومة مكتملة الصلاحيات تكون جديرة بثقة الاسرة الدولية؟ صحيح ان الإدارة الاميريكية وافقت على المشاركة في هذا المؤتمر، لكن تأييدها لاستمرار إسرائيل في الحرب على لبنان يناقض نيتها، علماً ان لا ماكرون ولا الطبقة السياسية في فرنسا يؤيدان "حزب الله" وايران, فعندما قتلت إسرائيل الامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله كان موقف باريس متحفظاً جداً عن التصفيق لقتله في بيانات الخارجية الفرنسية.
ان علاقة فرنسا بايران متوترة بسبب الرهائن الفرنسيين في ايران وبسبب ما تقوم به في لبنان والمنطقة، ولقاء ماكرون الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في نيويورك كان إيجابيا ولو ان باريس تتساءل عما اذا كان موقف هذا الرئيس الذي يريد انفتاح بلاده على الغرب وتحسين اقتصاده يعكس فعلا وحدة الحال مع الحرس الثوري الإيراني . فرنسا لا ترغب في الحرب في المنطقة وقد تشارك في الدفاع عن إسرائيل اذا تعرضت لهجوم إيراني، لكن باريس تبذل كل الجهود من اجل وقف الحرب على لبنان، ذلك أولاً، لأن لفرنسا ٧٠٠ جندي في اليونيفيل وأيضا لأن لها علاقة تاريخية مع لبنان ومصالح سياسية وجيوستراتيجية أساسية .
فماكرون يرى ان على اللبنانيين ان يتوحدوا لانتخاب رئيس بسرعة وتشكيل حكومة الآن وفورا، اذلا يجوز الانتظار أكثر لتلقي المساعدات وتوزيعها. وتدرك باريس من اتصالاتها مع المسؤولين اللبنانيين، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس البرلمان اللبناني نبيه بري والرئيس السابق للحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، ان ليس هناك اسما توافقيا للرئاسة حتى الآن. وترى مصادر العاصمة الفرنسية ان على اللبنانيين الا ينتظروا دول الخليج او الخارج لايجاد الرئيس التوافقي، لأن لا مصلحة لهذه الدول في التدخل في اختيار الرئيس التوافقي.
ويرى نافذون في الادارة الفرنسية ان قائد الجيش جوزف عون شخصية جيدة والجيش يحتاج اليه اليوم أكثر من ان يكون رئيسا للجمهورية، فهو يحظى باحترام دولي وعربي وقدرة على استقطاب مساعدات للجيش، وانه قد يكون من الأفضل ان يبقى على رأس المؤسسة العسكرية.
بعد رد نتنياهو على ماكرون بهذا الشكل، هل يعلن أخيرا الرئيس الفرنسي اعترافه بدولة فلسطين؟ هو كان يتردد في ذلك لأنه يرى انه ليس مفيدا في هذه الاثناء لأنه لن يغير الأمور وهو ما زال يريد بذل الجهود لإقرار حل الدولتين ويحتاج الى البقاء على تواصل مع نتنياهو دبلوماسيا لأن الاعتراف بدولة فلسطين سيقطع أي حوار مع المسوؤل الإسرائيلي.
ان التعنت الإسرائيلي والوضع الفرنسي الضعيف في ميزان القوى العالمي في وجه إدارة اميريكية منحازة الى إسرائيل وفي حملة انتخابية رئاسية يصعبان مسعى ماكرون لوقف الحرب، ولكن يبدو انه وحده في العالم يتحرك من اجل لبنان، في موازاة التحرك الإيراني المعطل.