رولان خاطر
قبل أسبوع تقريباً من عملية الـ"البيجر" في 17 أيلول الفائت، انطلق حراك الخماسية من أجل تحريك المياه الراكدة على الضفة الرئاسية. المناخات آنذاك عكست تساؤلات عن سبب هذا الحراك المفاجئ، وعما إذا كان هناك من تغيّر في شروط فريق "الممانعة" اللبناني والإقليمي.
حاول "حزب الله" إضفاء صبغة الليونة على مواقفه، لكنه، وبما يُشبه الالتفاف ووضع الكرة في ملعب فريق المعارضة، أبلغ اللجنة الخماسية بقبوله بفكرة الخيار الثالث، ضمن سلّة أسماء، بما يعني عدم التمسك بخيار سليمان فرنجية إلى يوم القيامة، بشرط، إلزامية الحوار برئاسة نبيه برّي كمقدمة للاتفاق وانتخاب رئيس البلاد. فأتى الجواب حاسماً من معراب، "لا وألف لا لأي حوار يكرّس أعرافاً مخالفة للدستور".
انهارت دوائر الإليزيه، وبدأ التفكير والعمل على كيفية إيجاد السبل لإقناع سمير جعجع لتغيير موقفه.
وتيرة التصعيد وإعلان إسرائيل الحرب على "حزب الله"، خطف الكلام عن "مبادرة رئاسية" كان يتم التحضير لها، إلى أن بدأ خريف الممانعة يُسقط أوراق قوتها بدءاً من بيروت هذه المرّة وصولاً إلى الساحات الأربع.
نقطة التحوّل الأكبر كانت اغتيال السيد حسن نصر الله، وإِنْ لم تنضج ثمارها بعد. برزت مواقف جديدة عقب الاغتيال، أولاً من حليفه الرئيس نبيه بري الذي أعلن تخليه عن شرط إلزامية الحوار كمقدمة لانتخاب رئيس، ترافق مع استعداد للقبول بالخيار الثالث، والدعوة لجلسة مفتوحة حتى انتخاب رئيس الجمهورية، وهو أمر جيّد وإيجابي تلقفته المعارضة بعدما كان "الحوار" لسنتين إشكالية عطّلت الانتخابات الرئاسية ومحاولة لتكريس أعراف غير دستورية تخل بالتوازنات السياسية والطائفية القائمة، وثانياً من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تحدث عن اتفاق بينه وبين بري عن فصل المسار اللبناني عن غزة، وعن استعداد لبنان الرسمي لتطبيق القرار الأممي 1701 ونشر الجيش، الذي يستطيع القيام بمهامه على الحدود في الجنوب.
استُكملت هذه المواقف بلقاء ثلاثي في عين التينة، سنّي، شيعي ودرزي، قيل إنه لم يأت استهدافاً لدور المسيحيين، لكنّ تعددية الساحة المسيحية لم تحتمل اختيار طرف على آخر، فجنّبت الثلاثي، بري، ميقاتي وجنبلاط، "عزيمة" المسيحيين إلى مائدة اللقاء، واستُدرك الموقف بإيفاد وائل أبو فاعور إلى معراب والرئيس ميقاتي زار بكركي.
وتعددت تفسيرات هدف اللقاء، واتخذ طابعاً مزدوجاً داخلياً وخارجياً. على مستوى الخارج، رسالة إلى المجتمع الدولي، للقول إننا جاهزون لفصل لبنان عن مسار غزة، ولتطبيق الـ1701 ونشر الجيش، وتتويج هذا المسار بانتخاب رئيس. وعلى المستوى الداخلي، كان عنوانها "ملاقاة الرئيس بري في المنطقة الوسطى" بعدما أزال النقاط التي كانت تشكل وجهات نظر خلافية.
فهمت المعارضة هذه الخطوات كبادرة حسن نيّة باتجاه وقف الحرب، وبدء العمل من أجل سلوك المسار الديموقراطي السليم، واستعادة قرار الإمرة والنفوذ للدولة اللبنانية، والتكفير عن جريمة استمرار الشغور في الموقع الدستوري الأول في البلاد، خصوصاً "أننا في ظرف أحوج ما نكون فيه لانتخاب رئيس للجمهورية، واكتمال عقد المؤسسات الدستورية، كي لا يبقى لبنان مكشوفاً عسكرياً وسياسياً".
وأنْ يقرّر فريق أساسي من فريق الممانعة التلاقي مع قوى المعارضة انطلاقاً من قواعد تحكمها الثوابت الدستورية، والليونة في الموقف الرئاسي بالذهاب إلى الخيار الثالث، كان بمثابة نضوج للعملية السياسية ولقواعد الممارسة السياسية والديموقراطية التي تحكم المرحلة المقبلة.
وعلى هذا الأساس، جاء جواب الدكتور سمير جعجع إيجابياً. وتقول "القوات" لـ"النهار": "أكدنا ضرورة انتخاب رئيس في هذا الظرف خصوصاً. أكدنا ضرورة الالتزام بما ينص عليه الدستور، أي الدعوة إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية. أكدنا استعدادنا البحث في الخيار الثالث. وجدنا في هذه الأجواء فرصة للبلد للوصول إلى انتخابات رئاسية، واكتمال عقد السلطات الدستورية والرئاسات، عبر تكليف رئيس حكومة وتشكيل حكومة، تتلاقى مع المطالب التي تم الحديث عنها في اللقاء الثلاثي، أي فصل لبنان عن غزة، تطبيق القرار 1701، نشر الجيش في الجنوب، وبالتالي الذهاب بمسار سياسي يعيد الاستقرار والإمرة للدولة.
لكن، فجأة، تضيف "القوات"، وبعدما رأينا بوادر إيجابية مطمئنة، تراجعت الإيجابيات، وعاد المسار إلى الخلف، إلى النقطة الصفر، مع إعادة فريق الممانعة الشروط نفسها التي كانت موجودة، المتمثلة، بـ"لا انتخابات رئاسية قبل وقف إطلاق النار، والاستعاضة عن إلزامية الحوار بتأمين موافقة 86 نائباً على اسم معين لانتخابه، وهو شرط غير دستوري، لأن التزام الكتل كافة بعدم الخروج من مجلس النواب وعدم تعطيل الدورة الثانية، يعني تأمين موافقة 128 نائباً وليس فقط 86. بالإضافة إلى طرح سليمان فرنجية مجددا كاسم "توافقي".
وتقول "القوات": "هذا يدل إلى أمرين، الأول، إمّا أن ما جرى مناورة سياسية على طريقة المناورات السابقة، أو أن "حزب الله" ومن خلفه إيران يعارضان الذهاب إلى انتخابات رئاسية لأسباب عدة، أبرزها، وجود خطر يهدّد حياة نواب "الحزب" في حال حضورهم إلى البرلمان، عدم تشييع السيد نصر الله، وعدم فصل لبنان عن غزة.
من هنا، تشدّد معراب على أن "كل الكلام الذي شكّل عامل دفع باتجاه الوصول إلى حالة إيجابية تبخّر، والحديث عن أن الرئيس بري مفوض من قبل "حزب الله" في الملف الرئاسي تبين أنه غير صحيح، وعاد الحزب وأمسك بقواعد اللعبة، وهو ما ظهر جلياً بكلام علي خامنئي، وكلام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وبات الأكيد أنهم اليوم ليسوا في وارد الذهاب إلى البرلمان لانتخاب رئيس، فالتوقيت غير مناسب".