قرى مسيحية على الحدود اللبنانية
الحديث عن البلدات والقرى المسيحية في الجنوب يقودنا مباشرة إلى رميش وعين إبل ودبل، لكنّ الواقع أنّ هناك عدداً كبيراً من البلدات المسيحية التي تعرّضت للقصف والتدمير، وهُجّر أهلها مرات عديدة، كعلما الشعب ودير ميماس والقليعة والقوزح وصور وجديدة مرجعيون، وحتى مرجعيون.
عدد كبير من أهلها أضحى مهجّراً، باستثناء البعض الذي رفض مغادرة أرضه تحت أيّ مسمّى، كما في القليعة حيث ناشد كاهن رعية مار جرجس الأب بيار الراعي الأهالي عدم الرحيل، على الرغم من التهديدات. وقال: "نحن مواطنون مسالمون ولا تحرّكات عسكرية في منطقتنا، ولا حتى منشآت. القرار النهائي الذي اتّخذناه أنّنا سنحمي منطقتنا من عدم إدخال أيّ سلاح إليها، ونعاهد ألّا نتركها".
وأضاف: "نحن باقون في القليعة، نعم باقون".
وتُعدّ القليعة ودير ميماس ومرجعيون من البلدات التي لم يغادرها سكّانها خلال حرب تموز 2006، وبقيت صامدة رغم وتيرة القصف والتوغّل البري الذي بلغ مرجعيون، واقتحم الجيش الإسرائيلي ثكنتها العسكرية.
منذ بداية الحرب ظهر اهتمام كنسي بهذه البلدات، وما زيارة الموفد الفاتيكاني للبنان في تشرين الثاني من العام الماضي سوى خير دليل، بالإضافة إلى التواصل الفاتيكاني مع أهالي هذه المناطق للطمأنة، وهو ما كشفه كاهن رعية رميش، إلّا أنّ هذا العمل لم يوقف التهجير الذي يزيد يوماً بعد يوم إثر محاولات التوغل البري الإسرائيلي والاقتراب من بعض هذه البلدات التي صارت خطوط تماس، كرميش وعين إبل.
يكثر الحديث عن اليوم التالي للحرب، وسط مخاوف من يأس الأهالي الذين تهجرّوا مراراً، وتعوّدوا أن يدفعوا الثمن دائماً.
رميش حتى اللحظة صامدة ولم يترك 70 في المئة من أهلها منازلهم، بحسب رئيس البلدية ميلاد العلم، "إلّا أنّها تعاني نقصًا حادًّا في المواد الغذائيّة والموارد التي تمكّننا من شراء حاجاتنا. فجميع من بقي يعتاشون من أعمالهم ومهنهم الحرّة، وهذه تعطّلت تماماً".
ويذكر أنّ "الوضع كارثي منذ سنة وليس منذ بدء التصعيد الإسرائيلي الأخير، فنحن متروكون لمصيرنا. لم يسأل عنّا أحدٌ من السياسيّين ولا من نوّاب المنطقة، وآلاف التلاميذ المسيحيين في مناطقنا لم يرتادوا المدارس أسوةً بأقرانهم على امتداد الوطن، ولا من يتحرك".
ويضيف: "الأمر يتّصل بواقع البلدات المسيحيّة المجاورة في قرى المربّع المسيحي التي فرغت من سكّانها بعدما غادروها خوفًا. هذه نتيجة موقعنا الجغرافي وصمودنا في هذه الأرض. قدرُنا أن ندفع الفاتورة كلّ مرّة، ولن نترك أرضنا، كما في السابق واليوم أكثر".
مارون الهاشم من دبل يؤكد أنّ "العودة إلى البلدة أمر محسوم ولن نترك أرضنا مهما جار علينا الزمن. في السابق تهجرنا وضربت بلدتنا، وعدنا إليها وعملنا على إعمارها من دون مساعدة أحد. التعلّق بالأرض فعل إيمان نمارسه ولن نتخلى عنه، ولكن هذا يتطلب دعماً.
يُجمع أبناء هذه البلدات الحدودية على ضرورة الالتفات إلى أوضاعها وخصوصاً من الأحزاب المسيحية والكنيسة المارونية، فهذه المرة الأمور مختلفة، والمسألة تتعدّى مساعدة اجتماعية أو "كرتونة إعاشة" أو تزويد مدرسة مادة المازوت. سيكون الجميع أمام عمل كبير عبر استراتيجية اقتصادية اجتماعية ومالية تثبت أهالي هذه البلدات، فهم بالفعل متجذّرون في التاريخ، لكنّ تركهم مرة أخرى لمصيرهم كما جرى سابقاً سيقضي تدريجاً على ما تبقّى من وجود مسيحي في هذه المنطقة.