منذ أوّل أيام هذا الجنون، قررت علا عيد أن تقلب كل يوم عيداً لأولاد الحيّ المتاخم لمستشفى رفيق الحريري الحكومي، وظنت أن برنامجاً ترفيهياً سيحرف الأولاد عن هواتفهم المحمولة وعن شاشات ما عادت تبث إلا الدمار... لكنها ما علمت أن الفرح الذي زرعته في نفوس الناس حولها لن يحميها طويلاً.
ليلة أمس، أطلّت الممثلة اللبنانية علا عيد من شرفة منزلها، بعدما ناداها صغار الشارع بإلحاح. أبلغوها بإنذار الجيش الإسرائيلي لمنطقتي الأوزاعي والليلكي، أو بعبارة أخرى، أنبأوها بغارات سوف يسمعون دويّها. سألوها عن "جدو" الممثل فؤاد حسن (زغلول)، فقالت لهم إنّه اشترى لهم الـ "بون بون". وحين بدأت تفرحهم بالسكاكر حتى وقعت الواقعة، وساد الصمت الرهيب بعد الدويّ القاتل... وحلّ الموت.
ما زالت عيد تحت وقع الصدمة، وعلى وجهها سؤال كبير: "لماذا؟". تروي لـ"النهار" لحظات رعب عاشتها "بعدما عادت إليّ الحياة، فوجدت نفسي ممددة في قسم الطوارئ بالمستشفى، وجسدي مغطى بالحروق".
استعادت صورة سوداء رأتها بين الغارتين الإسرائيليتين، "فعندما وصل إنذار الأوزاعي والليلكي، قلت للأولاد في الباحة وأنا أخاطبهم من شرفة منزلي: ماذا تعوّدنا يا أولاد؟ لا نصرخ، ومن أراد الصلاة لربه، فليصلّ. وبدلاً من أن تتناثر حبات السكاكر عليهم، جاءتهم شظايا صاروخ... فما ذنب هؤلاء الأطفال الأبرياء، ملائكة الجنة".
تتابع روايتها المؤلمة: "كان أمامي أطفال يحترقون، ما استطعت أن أفعل شيئاً. وهناك ’لولو‘ الصبية الحلوة، عيناها عسليتان، وفاطمة التي تغزّلت بردائها الأخضر كلون عينيها".
و"لولو" الصبية الحلوة هي حفيدة "جدو زغلول"، أحد أفراد فرقة أبو سليم الطبل المسرحية. غادرت جدّها الذي نجا من الغارة بأعجوبة. يبكي مصابه ويقول لـ"النهار": "’لولو‘ ملكة الجمال، ابنة الـ 23 عاماً، البنت الجميلة. كانت مفقودة. وبعد ساعات من البحث، عثروا على أشلائها في حفرة خلّفها الصاروخ... وكنت سأحتفل بعيد ميلادها بعد أيام قليلة".
يغص "زغلول" الذي اعتاد إضحاك الناس... يبكي: "كانوا أولاداً، رعيتهم منذ أول عام في أعمارهم، وعم أكبرهم اليوم 13 عاماً، قتلهم الصاروخ". وبغصة إضافية يقول: "ما زال حفيدي في العناية المشددة، بعدما عثروا عليه تحت الأنقاض".
تقول عيد إنّ أحداً لم يتنبّه إلى موقع الغارة، فلم يرد أي إنذار بضرورة الإخلاء، إنما كانت العيون متجهة إلى الليلكي والأوزاعي. وتختم: "رحلوا هكذا بلمح البصر".