أحمد م. الزين
"افتقدت بيتي وحريتي، في منزلي كنت أستطيع النوم والاستيقاظ متى أشاء دون إزعاج أو قيود. أما هنا، فلا أستطيع النوم براحة، فلا هدوء ولا سكينة، بل فوضى وضجيج مستمر"، هكذا وصفت الوضع رويدا الموسوي، التي نزحت من منزلها في حي السلم إلى مبنى اللعازرية وسط بيروت. بعد أن كانت تعيش في منزل هادئ مع زوجها فقط، اضطرت لمشاركة غرفة بلا أبواب مع ابنتها وحفيديها الصغار، إلى جانب نحو 2700 نازح آخرين من مختلف المناطق، في غرف ضيقة داخل المبنى، حيث اتخذوا من مبنى اللعازرية مأوى رغم صعوبة العيش فيه، اذ انه ليس مبنى سكنيا وانما مركز تجاري.
داخل مراكز الإيواء، يعيش النازحون واقعاً مؤلماً حيث يتشارك الجميع مثلاً في استخدام المرافق الصحية، وقد ينتظر الشخص ساعات طويلة حتى يحين دوره. في شهادتها المؤثرة، تتحدث رويدا عن فقدان الإحساس بالحرية في الحياة اليومية. تروي قصتها بقلق واضح، فهي واحدة من أولئك الذين اضطروا لمغادرة منازلهم بسبب الحرب. حربٌ سرقت منها منزلها، وذكرياتها، وعائلتها، وخصوصيتها التي باتت رفاهية مفقودة.
تعبر رويدا عن الشعور بالعجز من ممارسة حياتها بشكل طبيعي، سواء في العمل أو حتى في القدرة على توفير الطعام لعائلتها. هذا التحول الجذري من حياة مستقرة إلى حياة مليئة بالفوضى والضغط النفسي كان صادماً لها، إذ تصف المكان الذي تعيش فيه كمكان أشبه بالسجن، حيث لا يوجد مجال للحركة أو الحرية الشخصية. تتحدث أيضًا عن القلق المستمر الذي يعيشه النازحون بسبب الضجيج وعدم الاستقرار، حتى في أبسط الأمور مثل الاستحمام أو الراحة، وكيف أن الماء البارد والبيئة غير الصحية يؤثران على صحتها وصحة حفيديها.
رويدا التي كانت حريصة على الاهتمام بمظهرها الخارجي بشكل دائم قبل أن تبعدها الحرب عن منزلها انهمرت الدموع على وجهها خلال حديثها لـ"النهار"، لتقول: "الحمد لله، أنا مستورة، لكننا نعيش من قلة الموت. عندما أزور بيتي، لا يطاوعني قلبي على تركه. أفضل أن تقصفني الطائرة على أن أستمر في عيش هذه الحياة."
في الغرفة نفسها، كانت ابنتها نجوى تساعدها في الترتيب وتحضير ما تيسّر من الطعام. وتقول نجوى لـ"النهار": "نحن نفتقد كل شيء، من الحمام إلى الطعام، ومن النوم إلى كيفية تربية أطفالي. الفارق كبير. أستحم أنا وأولادي بالمياه الباردة، ومجبورون على التحمل، فلا بديل متاح حالياً. وتشعر نجوى بخوف دائم من أن يراها أحد أثناء دخول الحمام لأن المكان الذي تسكنه العائلة هو محل تجاري داخل المبنى، والباب يبقى مفتوحا طوال الوقت.
قصة فقدان الشعور بالخصوصية التي تحدثت عنه رويدا وابنتها نجوى يمكن أن تُروى أكثر من مليون و200 مرة بشكل مختلف، من قبل أولئك الذين اضطروا لترك منازلهم بسبب الحرب الحالية، ومراكز الإيواء أو المنازل التي التي نزحوا إليها قد توفر لهم المأوى، لكنها لا تستطيع استيعاب حياتهم الشخصية كما تفعل منازلهم.