سنوات عجاف...
من اغتيالات سياسية سلبت الأمن من اللبنانيين، إلى جائحة كورونا التي حرمتهم من الصحة، وصولا إلى الانهيار الاقتصادي الذي شلّ حركة الأموال، ثم انفجار مرفأ بيروت الذي سرق الأحلام والأحباء... اليوم، نرحب بكم في زمن الحرب. قد تظن أن الدولة اللبنانية قد صقلت تجربتها في مواجهة الأزمات وتعلمت من الصعوبات، أو أن كثرة المصائب قد أضعفت من عزيمة اللبنانيين... ولكن بعض الظنون غير صحيحة.
في 23 تشرين الأول (أكتوبر)، كشفت منظمة اليونيسيف أن 350,000 طفل بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية في لبنان، مشيرةً إلى أن "الأزمة الإنسانية لا تزال تؤثر بشكل مباشر على حياة الأطفال والعائلات مع تصاعد الأعمال العدائية في جميع أنحاء البلاد. تواصل الحكومة اللبنانية تنسيق الجهود لدعم ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص متضرر من النزاع".
رغم كل هذه التحديات، وقف اللبنانيون بقوة وعزيمة وصبر، وكأنهم لم يذوقوا المر يوما، متكاتفين من خلال مبادرات فردية.
في هذا السياق، تواصلت صحيفة "النهار" مع رائدة الأعمال والناشطة الاجتماعية نادين ويلسون نجيم لاستكشاف المبادرة الفردية التي أطلقتها منذ تصاعد وتيرة الحرب في لبنان في أيلول (سبتمبر).
عندما سُئلت نادين عن السبب الذي دفعها للانخراط في تقديم المساعدة للنازحين، وخاصة الأطفال دون الثلاث سنوات، أجابت قائلة: "بادرت مثل العديد من اللبنانيين، إذ شعرت أنه لا يمكنني أن أكون متفرجة. قضيت 14 عاما في صفوف الكشافة، وتطوعت في الصليب الأحمر، وترعرعت في منزل عسكري، مما منحني بعدا شمولياً يجعل من مبدأ المبادرة أمرا بديهيا ولا يحتاج إلى تفكير".
وأضافت نادين: "عندما شاهدت مقاطع فيديو لأطفال نازحين يفتقرون إلى المقومات الأساسية للبقاء، بينما كانت اهتمامات الناس مركّزة على الطعام والأغطية، خفت أن تُهمل هذه الفئة، أي الأطفال دون الثلاث سنوات. وقد تأكدت من ذلك من خلال الطلبات الكثيرة التي وردتني".
وتعبر نادين عن امتنانها لمساعدتها هؤلاء الأطفال، قائلة: "أنا ممتنة لأنني اخترت هذه المبادرة، لأنها أنقذتني من التوتر والشعور بالعجز. لقد ساعدني هذا العمل على الحفاظ على روح إيجابية وقوية كل يوم".
"الحرب أونلاين"
انتقل الحديث من أهمية العمل الخيري إلى ضرورة الوعي المجتمعي، حيث سألنا نادين عن المحاولات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي لزرع الفتنة الداخلية في لبنان. وأوضحت أن الحرب ليست فقط على الأرض أو في الجو، بل أيضا "الحرب أونلاين".
وأضافت نادين: "لا يمكن أن يُهدم بلدٌ من خلال الاغتيالات أو الحروب أو الدمار، بل يتحقق ذلك عندما ينقلب اللبنانيون على بعضهم البعض. كم حرب أهلية نحتاج قبل أن نفهم أن هذا هو ما يدمرنا في كل مرة ويقضي علينا؟"
وأشارت إلى أن "أرخص وأخطر سلاح يمتلكه العدو هو الوحدة الاستخباراتية 8200، الذي يركز جهوده على زرع الفتنة بين اللبنانيين من خلال انتحال صفة لبناني على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقديمه كأنه ينتمي إلى طائفة أو جنسية معينة. يبدأ بعد ذلك في بث الفتنة وتقليب اللبنانيين على بعضهم البعض، داعيا إياهم إلى عدم الاتحاد في هذا الوقت. هذه هي أسهل الطرق للتلاعب بمشاعر الإنسان وإغراءه نحو المسار الخاطئ، خاصةً أن الحالة النفسية للأفراد قد تكون غير مستقرة في زمن الحرب، مما يجعلهم يتغافلون عن مخاطر تصرفاتهم، ويقعون في شر الفتنة معتقدين أنهم يدافعون عن وجودهم وطائفتهم. لكن في الحقيقة، هم بذلك يصبحون شركاء دون أن يدركوا أنهم جزء من لعبة العدو."
هل ستبقين في لبنان؟
جاء رد نادين سريعا: "بالطبع، بالطبع! هذا بلدي، وأنا أؤمن تماما أننا سنصل إلى مكان أفضل، إلى الدولة التي نحلم بها. سأبقى هنا، فمن سيعمر البيوت المهدمة إذا غادرنا؟"
تركز نادين في حملتها على الأطفال دون الثلاث سنوات، وقد زودتنا بالأرقام التالية لكل من يرغب في المشاركة في هذه المبادرة: 009613783636 عبر "ويش" أو "تاب تاب"، أو مباشرةً إلى اسم نادين نجيم عبر "ويسترن يونيون" أو"أو أم تي". للوصول إلى رابط الحملة التي أطلقتها نادين ويلسون نجيم اضغط هنا.
رغم كل شيء... تنمر
يظل غريبا ومثيرا للاستياء النقد الذي يواجهه المبادرون مثل نادين، خاصة من أشخاص يكتفون بالجلوس على أريكتهم المريحة خلف شاشاتهم. إذ يبدو أن لا أحد بمنأى عن التنمر، حتى أولئك الذين يبذلون من طاقتهم ووقتهم ومالهم في مساعدة المحتاجين. لهؤلاء أقول: قد تتغاضى عن العطاء بدورك ولكن لا تلعن عطاء غيرك، إن لم تكن قادرا على المشاركة في إضاءة شمعة فلا تكن سببا في إطفائها، قد تختار الصمت عن العمل لكن لا تستهزئ بجهود من قرر أن يُسمع صوته، إن لم تقدِّم الخير بيدك فلا تبتر أيادي امتدت للمساعدة، إذا لم تكن قادرا على البناء فعلى الأقل لا تُكن حجر عثرة في طريق من يبني.
في مواجهة الانتقادات، ترد نادين قائلة: "هذا الجهد ليس لإثبات شيء لأحد، بل بدافع المسؤولية تجاه لبنان".