النهار

عندما لبّت فيروز نداء الصليب الأحمر "من أجل سلطة الإنسانية"... "بلدنا صغير ومنسي"
ليلي جرجس
المصدر: النهار
في قاعة الألباما في جنيف، وسط حضور كبير داخل القاعة وخارجها، صدح صوت "سفيرتنا إلى النجوم" السيدة فيروز، وهي تغني "الأرض لكم"، فتحوّلت كلمات الأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران إلى نداء إنساني عمل على دوزنته ابنها الملحن زياد الرحباني.
عندما لبّت فيروز نداء الصليب الأحمر "من أجل سلطة الإنسانية"... "بلدنا صغير ومنسي"
فيروز في القاعة الكبرى بالجامعة الأميركية في دبي. (29 آذار/مارس 2001 - أ ف ب)
A+   A-

في الثاني عشر من آب 1999، حطّت فيروز رحالها في تلك المدينة الصاخبة، كممثلة عن لبنان والعالم العربي، بعد تلبية دعوة من الصليب الأحمر الدولي للمشاركة في إطلاق نداء 12 آب للتوقيع على نداء جنيف لدعم القانون الدولي الإنساني.

 

في دارتها بالرابية، استقبلت فيروز رئيس البعثة الدولية للصليب الأحمر هنري فورنييه وسلمته رسالتها الخطية الموجهة لرئيس اللجنة الدولية في جنيف كورنيليو سوماروغا. كانت رسالتها الصغيرة المخطوطة بكلمات مقتضبة تحمل هذا الامتنان والتأثر، "حضرة رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، السيد كورنيليو سوماروغا المحترم، تحية وبعد، أسعدني اقتراحكم بأن أضم صوتي إلى أصوات من اختارهم الصليب الأحمر الدولي للتضامن مع ندائه تذكيراً باتفاقيات جنيف الموقعة العام 1949. وكما أسعدني الاقتراح، فإنه يشرفني ان أؤكد لكم على حضوري ومشاركتي في إطلاق هذا النداء".

في الذكرى الخمسين لاتفاقيات جنيف التي تنص على حماية ضحايا الحرب، كان حضور فيروز مختلفاً ، لم تحمل ورقة تقرأها كباقي الشخصيات الأربع عشرة التي كانت مدعوة إلى حفل التوقيع، كانت تحمل صوتها وحزنها وقلبها وأمنياتها وتطلعاتها، وعلى خشبة المسرح وقفت فيروز لتقول كل شيء بأغنية اختصرت الانتماء إلى الوطن والإنسان والأخوة.

 

على مسرح جنيف، وقفت فيروز بثوبها الأسود لتغني، هي التي تؤمن في قرارة نفسها أن "الفن هو صلاة". تقول في مقابلة لها مع صحيفة "نيويورك تايمز" في أيار 1999 بعد حفلة أحيتها في مدينة لاس فيغاس الأميركية "إذا نظرتم إلى وجهي عندما أغني، سترون وكأنني غير موجودة".

 

 

عندما قدمها عريف الحفل، انسابت الكلمات بجماليتها وبساطتها، استهل كلمته بالقول "أحد مواطنيك قال إنك أسطورة حية. لا شك بأنك قريبة جداً من قلوب مواطنيك اللبنانيين، كما من قلوب عشاق الثقافة العربية".

 

هو الذي يعرف أن فيروز هي الوطن بالنسبة لنا، جسّد هذه الحقيقة في كلماته  عندما اعترف لها أن"الشعر الذي تغنين يأخذ مادته من حبك لوطنك وثورتك على الألم الذي جاءت به الحرب ونشرته في بلادك. قيل بعد حفلك في أميركا، إنه بالنسبة لمواطنيك كأن أغانيك أصبحت بلادهم ووطنهم. لقد وقعت نداء الثاني عشر من آب ولقد اخترت أن تعبري بالأغنية، لحظّنا وسعادتنا. سوف نستمع إليك بكثير من عرفان الجميل، وأنا متأكد، بكثير من الانفعال والتأثر".

 

 

"الأرض لكم" والحلم لنا

هكذا هي فيروز ،كنسمة عليلة تمرّ وتحدث خلفها اهتزازاً جميلاً تخرج منه منتشياً وهائماً، تريد البقاء عالقاً في صوتها وبين حبالها الصوتية التي تسافر بك إلى كل أقطاب العالم وأنت واقف أمامها مذهولاً، صامتاً. عندما أنهت أغنية "الأرض لكم"، لم يمنع رئيس اللجنة الدولية نفسه من الوقوف لها والتصفيق بحرارة.  

 

كان تصفيقه يعكس الأمل الذي كان في داخل كل واحد هناك، في الحلم الذي أيقظته فيروز فيهم وفي رسالة السلام التي تحولت إلى أنشودة هائمة تعلو فوق الدمار والحرب. كانت أشبه بالراية البيضاء التي تُرفع لوقف القتال. كانت ببساطة فيروز هي أمنيتنا في السلام!

 

في القاعة الخارجية، علا التصفيق ووقف الجميع مأسورين بهذا الصوت، لغة غريبة عنهم أصبحت لوهلة تحكي باسمهم، صفقوا للسلام الذي كانت تغني له، صفقوا للوطن الذي يحلمون به... وعلى وقع الكلمات الأخيرة للأغنية " هذي يدي هات يدك" صفقوا بكل أيديهم وكأنهم يقولون لها "إليك أيدينا".

 "أستطيع أن أجعلهم يتذكروننا"

كان عزاء فيروز أن تتحدث عن وطنها، عن لبنان الذي غنته في أغانيها، عن لبنان الذي نتمسك به كقشة خلاص في معارك القتال والحروب. لا شيء يُسعفنا سوى صوتها، لا شيء يجعلنا نحلم بـ"الأرض لكم" المأخوذة من كتاب "النبي" لجبران خليل جبران سوى مواصلتها الغناء.

 

عندما أنهت أغنيتها في جنيف، حملت فيروز "لبناننا" معها في كل لحظة، تعترف في حديث لإذاعة "مونت كارلو" أن بلدنا صغير ومنسي، ولا أحد يتكلم عن معاناة شعبنا. وكلما جاء ذكر معاناة شعوب العالم ينسون ذكر معاناتنا". وتضيف "أحسست أنه عبر مشاركتي أستطيع أن أجعلهم يتذكروننا". ولا تُخفي شعورها بالامتنان من دعوة الصليب الأحمر، هي التي أشارت إلى أنه "بين الجهات العالمية القليلة التي تذكرتنا، وتذكرت معاناتنا، كان الصليب الأحمر الدولي".

أرشيف جريدة النهار

 

فيروز التي تؤمن أن "لا حدود للفن لأنه يستطيع أن يصل إلى الناس"، بالنسبة إليها "دخلت قلوب الناس في الأغنية، وطالما أنها وصلتهم فهذا يعني أن الرسالة قد وصلت".

 

تركت أمنيتها على مسارح الغرب "آن الأوان أن يستريح العالم" كانت بهذه الكلمات تنتظر استقبال الألفية الثالثة... وما زلنا ننتظر تحقيق أمنيتها!

 

اقرأ في النهار Premium