النهار

نازحون بلا عمل: وضعٌ يصعب تحمله... فهل يتحرك المعنيون؟
محمد غسّاني
المصدر: النهار
يعيش لبنان منذ فترة وضعاً صعباً، وسط حرب إسرائيلية أدت إلى تعطيل عجلة الاقتصاد وتضرر الكثير من المنشآت وأماكن العمل، وتوقف العديد من المشاريع الحيوية.
نازحون بلا عمل: وضعٌ يصعب تحمله... فهل يتحرك المعنيون؟
نازحون بساحة مبنى العازارية في وسط بيروت (تصوير نبيل اسماعيل).
A+   A-

يعيش لبنان منذ فترة وضعاً صعباً، وسط حرب إسرائيلية أدت إلى تعطيل عجلة الاقتصاد وتضرر الكثير من المنشآت وأماكن العمل، وتوقف العديد من المشاريع الحيوية.

 

تهدد هذه الحرب لقمة عيش العديد من العائلات اللبنانية، ولها تداعيات خطيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. وقد تسبب القصف الإسرائيلي المتواصل في دمار واسع في البلاد، وتضرر المنازل والمحلات التجارية والوحدات الصناعية.

 

وبسبب هذه الأحداث، فقد الكثير من العمال وظائفهم نتيجة الأضرار الكبيرة التي لحقت بالشركات والمصانع، إضافة إلى تضخم الأسعار الناتج عن هذه الحرب.

 

من بين المتضررين، العمال النازحون الذين يعانون كثيراً بعد أن فقدوا الأمان الوظيفي والاستقرار المالي.

 

ومع استمرار الحرب التي لا آفاق لها، كيف يعيش العمال النازحون حياتهم الآن؟ وهل استطاعوا تأمين بديل عن عملهم السابق، والتكيف مع المتطلبات اليومية؟

 

 

"وضعٌ صعب جداً"
في السياق، تقول زينب سعد - الحاصلة على إجازة فنية في العلوم المخبرية الطبية - وهي نازحة من بنت جبيل الجنوبية إلى فرن الشباك، في ضاحية بيروت الشرقية: "كان عملي يتركز على سحب الدم في المنازل، إضافة إلى التعاقد مع مختبر. وفي الآونة الأخيرة، قبل تفاقم الحرب، كانت الإنتاجية منخفضة بسبب نزوح المواطنين".

 

وتضيف: "أغلبية المرضى الذين كنت أتعامل معهم كانوا من بلدتي رميش وبنت جبيل الجنوبيتين، وقد نزح معظم الأهالي، ما أثر على عملي".

 

وتتابع سعد: "أنا الآن بلا عمل، والمختبر الذي كنت متعاقدة معه في الجنوب دُمِر... الوضع صعب جداً حتى في حال العودة".

 

وعن بحثها عن عمل آخر، تقول: "تقدمت لمختبر، والمعاش الذي عُرض علي متدنٍ، لذلك رفضت".

 

وعند سؤالها عن كيفية تأمين احتياجاتها اليومية في ظل عدم عملها، تلفت سعد إلى أن الوضع مستقر حتى الآن، لكن هناك مصاريف كبيرة تتعلق بالإيجارات وشراء المستلزمات الأساسية.

 

"حاجة ماسة"
أما يارا عجمي، التي تعمل معالجة فيزيائية، فتقول إنَّها "اضطُرَّت لإغلاق عيادتها في مدينة صور الجنوبية، والنزوح مع أهلها إلى منطقة أخرى، ما أدى إلى توقف عملها".

 

وتشير في حديثٍ مع "النهار" إلى أن "بعض المرضى يتابعون علاجهم وفق مناطق إقامتهم، بينما حصل آخرون على مساعدات بسيطة لحين العودة".

 

وتضيف عجمي أنها تسعى للحصول على عملٍ جديد في مكان إقامتها، وهي تبحث عن عيادة قريبة منها، لكن الأمر صعبٌ نوعاً ما وفقاً لقولها.

 

وتختم حديثها بالقول: "هناك حاجة ماسة للعثور على عمل، لأن المصروف اليومي كبير، في ظل غلاء الأسعار".

 

 

"حربٌ دمرت حياتنا"
في سياق متصل، يقول محمد مواطن لبناني نازحٌ أيضاً من الجنوب وكان يعمل في مكتب هندسة بمدينة النبطية التي دمرها القصف الإسرائيلي: "جميع الأشغال توقفت وتعطلت"، مضيفاً: "قبل الحرب لم يكن العمل كما يجب، لكن الأمور كانت أفضل كثيراً مما نحن عليه الآن".

 

ويتابع: "هذه الحرب دمرت بيوت الكثير من الناس، ودمرت حياتنا واقتصادنا. لم يعد لدينا أي مصلحة أو أي أمر مادي لتسيير أمورنا".

 

ويشير إلى أن "هذه الحرب ليست منفعة، إذ منذ ولادتنا ونحن نعيش في حروب ودمار"، مضيفاً: "أنا كشاب أسعى وراء طموحاتي وأحلامي، أبحث حالياً عن عمل كي لا أضطر للهجرة".

 

ويقول في ختام حديثه: "تعبنا من الحرب... لا نريد حرباً، نريد العيش بسلام في وطن مستقر وآمن".

 

"لم نعد نتحمل"
من جهتها، تقول معلمة مستعان بها لدوام بعد الظهر، وهي نازحة من الجنوب إلى منطقة خلدة، إلى الجنوب من بيروت: "لو ترى ما فعلته بنا الحرب... يا لحزني!"، مضيفةً: "صحيح أننا كنا قبل الحرب نعلّم السوريين، لكننا لم نكن بحاجة إلى شيء".

 

وتقول في حديثٍ لـ"النهار": "كنت أدرّس طلاباً في المنزل، منهم في المستوى الجامعيّ، أما الآن فأصبحت من دون أي عمل".

 

وتتابع المعلمة: "لم نعد نتحمل، فقد أتعبنا النزوح من منطقة إلى أخرى." وعند سؤالها عمَّا إذا كانت تبحث عن عمل الآن، تجيب: "لا نعرف أحداً هنا".

 

وتسأل: "كيف سنتدبر أمورنا وكيف كنا سنصرف لولا إخوتي في بلاد الاغتراب؟"، لافتةً إلى أن "زوجي عسكري، ما قيمة معاشه؟ الوضع يزداد سوءاً".

 

وتتساءل المعلمة في ختام حديثها: "إلى متى سيستمر إخوتي في مساعدتنا؟ وهل يستطيعون فعل ذلك دائماً؟".

 

 

"المتضرر الأول"
في سياق آخر، وفي حديثٍ مع النهار، يقول بشارة الأسمر، رئيس "الاتحاد العمالي العام": "لا إحصاءات دقيقة حول عدد العمال النازحين، بسبب استمرار مغادرة المواطنين لقراهم المعرضة للقصف الإسرائيلي".

 

ويضيف: "هناك مؤسسات وأسواق تجارية كثيرة تضررت، وبعضها دُمِّر بشكل كامل، إضافة إلى التوقف التام عن العمل بسبب الواقع المستجد"، مشيراً إلى أن هذه الأضرار أدت إلى خسائر على مستوى البلد ككل.

 

ويوضح الأسمر أن أنّ "العامل هو من يدفع هذه الخسائر بالدّرجة الأولى، إذ يعَدُّ من الطبقة الأكثر هشاشةً، لا سيّما الأشخاص الّذين يتقاضون رواتب شهرية كالمياومين، والزّراعيّين وغيرهم....".

 

ويلفت في حديثه إلى أن "المناطق التي لم تتضرر بشكل مباشر، والتي استقبلت النازحين، تأثرت جزئياً، حيث توقفت بعض المصالح، لاسيما السياحية والتجارية".

 

وتطرق الأسمر إلى بعض الحلول، حيث يقول: "طرحنا على المسؤولين أن تكون هناك إحصاءات محددة وشفافة تشمل النازحين الذين توقفوا عن العمل"، مضيفاً: "كما طرحنا كاتحاد عمالي عام، على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن يتم صرف مساعدات شهرية مقطوعة لهم، وكان متجاوباً".

 

ويتابع: "كما اقترحنا أن تقوم وزارة الشؤون الاجتماعية بإجراء إحصاءات أيضاً، وقمنا بزيارة للوزير هيكتور حجار، حيث اتفقنا معه على أن يقوم العاملون في برنامج الأسر الأكثر فقراً (الذي يبلغ عددهم نحو 600 شخص) بالتحقيق في أماكن النزوح والإيواء، للوصول إلى صورة تقريبية عن حجم المعاناة، تمهيداً للطلب من المنظمات الدولية بأن يُصرف للعمال مبلغ شهري مقطوع على غرار المساعدات العينية الغذائية، لمواجهة هذه المرحلة الصعبة".

 

أما كل ما تقدّم من روايات المواطنين والحالة الصعبة التي يعيشها النازحون، فإن العامل يظل المتضرر الأول من جميع التداعيات السلبية للحروب، لاسيما في بلد يعاني من أزمات متعددة ولا يستطيع الوقوف إلى جانب شعبه في أصعب المراحل.

 

*الصور من الزميل نبيل اسماعيل.

إعلان

اقرأ في النهار Premium