النهار

أمين شومر ينازل الإجرام بكلماته ويعيد طيف وائل الدحدوح: لا بدّ أن نكون أقوياء
ليلي جرجس
المصدر: النهار
أمين شومر ينازل الإجرام بكلماته ويعيد طيف وائل الدحدوح: لا بدّ أن نكون أقوياء
أمين شومر ووائل الدحدوح.
A+   A-

على أنقاض المبنى المهدّم، انتظر مراسل قناة "المنار" وإذاعة النّور #أمين_شومر، خيط الأمل، وسط رائحة الموت العابقة في منطقة #السكسكية. كانت حواسه تناجي منطق الحياة، فيما كان طيف الموت يزداد اتساعاً وتوحشاً في تلك البقعة الجغرافية.

ما أثقلها تلك اللحظات، لحظات الترقب لمناجاة القتل والتحايل عليه للنفاذ من جبروته، وجه الإجرام يشتد قباحة. حمل أمين شومر صوته وقلبه المكسور وفاجعته المشتعلة ووقف أمام الكاميرا ينعى عائلته في رسالة صحافية من موقع المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في #السكسكية.

أعاد ثقل كلماته وجهاً يشبه وجعنا، صورة تحاكي يتمنا، حضر طيف الصحافي وائل الدحدوح ومأساته في استشهاد عائلته في غزة. وبين الدمار والركام، خرج صوتهما مخنوقاً وغير مستسلم... مقاومة من نوع آخر.

 

يتزاحم الإجرام الإسرائيلي كتزاحم الأبنية المقصوفة التي سوّيت بالأرض، لا شيء يعلو صوت الغارة التي تنفجر سوى صراخ الأحبة ووجع الرحيل. كان مشهد انتظار أمين شومر من على شرفة لم يبق منها إلّا أساسها الباطوني، يختصر ما يعيشه الناس في ساحة الحرب المتواصلة، كان من فوق يستغيث الأمل ليجد ابنته المفقودة تحت الأنقاض. هو يناجي من عليائه مكسوراً، وهي توثق الإجرام الذي لم يهزّ بعد ضمير العالم.

 

المراسل أمين شومر ينتظر خبراً عن ابنته بعد استهداف منزلها في السكسكية.

 

من نافذة فاجعته، كان أمين شومر ينظر إلى حياته محطمة تحت الركام، ومن هناك يخرج صوته في رسالته التي تركت وقعها الأليم قائلاً: "من هنا كانت البداية وكان السفر إلى الله، كان دأبهم الشهادة ونالوا كما يتمنون. هنا أحسسنا بعظيم فقدان الأحبة، فَقَد الإبنة الوحيدة المفقودة الأثر إلّا من بعض الأشلاء والطفلة الحفيدة الممزقة والصهر الغالي مقطوع الرأس والأطراف واستشهاد أبناء العمومة والأقارب والإخوة".

تتشابه مشاهد القتل واليتم والدماء بين لبنان وغزة، المجرم واحد في بلدين، والضحايا بالآلاف والصمت مريب يقتلنا مرّتين.

 

في غزة، كان الصحافي وائل الدحدوح يغطي قبل دقائق الغارات الإسرائيلية في المنطقة التي لجأت إليها عائلته في مخيّم النصيرات وسط القطاع، قبل أن يتلقّى خبر استشهاد عائلته (زوجته آمنة وابنه محمود 16عاماً وابنته شام 6 أعوام وحفيده آدم الرضيع). هو الذي وقف يحبس دموعه التي خانته ليقول "عم ينتقموا منا بالأولاد... معلِش".

 

 

تتخبّط الذاكرة بمشاهد متشابهة تتسابق على الخروج من "اللاوعي". مصاب أمين شومر يُعري مصاب كثيرين ومنهم وائل الدحدوح. خسارات مزدوجة توالت تباعاً، فبعد أقل من أسبوع على اغتيال العدوان الإسرائيلي ثلاثة أشخاص من أبناء الحاج أمين شومر، عبر استهداف سيارتهم الخاصة لدى وصولها إلى حاجز الجيش اللبناني عند جسر الأولي المدخل الشمالي لمدينة صيدا، شنّت إسرائيل غارة على دفعتين استهدفت منزله في بلدته السكسكية، خسر أمين شومر منزله الذي كان شاهداً على العدوان الإسرائيلي. لكنه أبى أن يتركه بهذه الخسارات، فالإجرام إن نما لا يعود يعرف حدوداً، وهذا ما جرى بعد قصف استهدف المنزل في السكسكية، حيث استشهدت ابنته وحفيدته وصهره وبعض الأقارب.

ما يحصل في لبنان عاشته غزة ولا تزال، وبعدما خسر الدحدوح بعض أفراد عائلته، كان له موعد مع الموت مرّة أخرى، بوجه أقبح أدّى إلى استشهاد نجله حمزة. منهك الملامح والقلب، أصرّ الدحدوح على مواصلة معركته، مشدّداً "لا شيء أصعب من آلام الفقد، وعندما تتجرّع هذه الآلام مرّة تلو المرّة تكون الأمور أصعب وأشدّ، ولكن ماذا عسانا أن نقول".  

 

 

يدرك جيداً كما يشير، إلى أن "هذا هو خيارنا، قدرنا ويجب أن نرضى به مهما كان. هذا هو قدر خيار كل الناس في هذه الأرض، الناس تودع أحبابها وفلذات أكبادها في كل يوم وكل ساعة. ليس بضعة مني حمزة بل كان كلي وروح الروح، وهذه هي دموع الحزن والفراق، الدموع التي تفرقنا عن أعدائنا. نحن مشبعون بالإنسانية وهم مشبعون بالقتل".

 

هذه القوة التي يستمدها الدحدوح من خساراته وملاقاته للموت بوجوه مختلفة، تجسّدت في أرض الجنوب، عندما وقف أمين شومر يحمل الموت بقلبه وفي يده الميكروفون وسيلته لقول الحقيقة، ليؤكّد للجميع "صحيح أن قلوبنا انكسرت ألماً شعوراً منا بعظيم المصاب، لكن ما يُعزينا نيلهم وسام الشهادة ودماؤهم التي تُعبّد الطريق نحو النصر القريب".

 

هنا رحلوا، هنا حُملوا ، هنا رقدوا وهنا تبقى ذكراهم الجميلة. نتذكرهم بأحلى صورة صغاراً يتدللون وكباراً نفتخر بهم. كيف لا وهم مداميك نصرنا القادم" .

 

 

وقف الدحدوح على جراحه النازفة شامخاً، صلباً في وجه العدوان والغدر، واختصر مسيرته مع كل الخيبات والانكسارات بعزيمة واحدة "نحن ماضون وهذا هو التحدّي الكبير". ومن أمام منزل ابنته المهدّم، أصرّ أن يواصل رسالته الصحافية "لأجل إكمال المسيرة، لا بدّ أن نكون أقوياء، أقوياء بمواقفنا الثابتة التي لا نُحيد عنها مهما بلغت التضحيات، وبمجاهدينا ومقاتلينا الذين يرابطون على الحدود ويواجهون العدو الصهيوني بكل بطولة".

 

 

إعلان

اقرأ في النهار Premium