عبد القادر دمج
وسط مشاهد الدمار والتهجير، وفي ظل شبح الخوف والقلق الذي يطارد اللبنانيين، قرّر نمر الحاج حسن -ابن بلدة صور- كسر حاجز الحذر والخوف. تحدّى المخاطر وتوجّه إلى مناطق لا يسكنها سوى الركام والظلام وصدى الانفجارات، مستجيباً لنداءات أهالي القرى المنكوبة، ليستعيد لهم ما تبقّى من مقتنياتهم وبعض ذكرياتهم؛ مقابل أجر مادي، في خطوة يراها البعض مغامرة متهورة، بينما يعتبرها آخرون بصيص أمل وسط ظلام النزوح والمعاناة.
من هنا بدأت القصة
في حديث خاص لـ"النهار"، كشف الحاج حسن، أن الفكرة بدأت عندما طلب منه أحد أصدقائه استعادة جوازات سفره وعائلته من منزله في قضاء صور. وقال: "من هنا، بدأت الفكرة تتبلور، وأخذت الاتصالات تتوالى من أهالي القرى المدمّرة الذين طلبوا مساعدتي في استرجاع مقتنياتهم الضرورية التي تركوها وراءهم أثناء نزوحهم.".
ورغم القلق الذي انتاب عائلته، لم يكن في حسبانهم أن يغامر ابنهم بحياته بهذه الطريقة، حيث كان عليه الدخول إلى القرى المستهدفة التي تشهد تحليق الطائرات المسيّرة ووقع الغارات. إلّا أن نمر أصرّ على استكمال مهمته في استرجاع الأمانات، حتى أصبح يزور اليوم عدداً كبيراً من القرى المدمّرة نحو 6 مرّات أسبوعياً، برفقة مجموعة من الشبان الذين يعملون معه من أجل استعادة ما يطلبه منهم الأهالي.
وحول هدفه من هذه المهمة، أكّد الحاج حسن أنه "يسعى لتحقيق هدفين أساسيين: الأول هو مساعدة النازحين في الحفاظ على ممتلكاتهم ورزقهم، والثاني هو تأمين مصدر دخل له في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها اللبنانيون".
من الأوراق الثبوتية إلى السيارات والذهب... هكذا تُحدّد التسعيرة
لم يقتصر دور نمر وفريقه على استرجاع الأموال والأوراق الثبوتية فقط، بل امتد ليشمل العديد من الممتلكات المتنوعة، بدءاً من جوازات السفر وصولاً إلى السيارات، الدراجات النارية، الذهب، الأموال، الملابس، المستودعات، وأشياء أخرى. فقد تمكّن من نقل نحو 25 سيارة منذ بداية الحرب على لبنان.
أما في ما يتعلق بالتكلفة، فأوضح الحاج حسن أنها تختلف حسب نوعية الممتلكات والمخاطر المرتبطة بالمنطقة التي يتعيّن الوصول إليها. فكلما كانت المنطقة أكثر خطورة، وكلما كانت الممتلكات بحاجة إلى جهد ووقت أكبر، زادت التكلفة.
"لا طرق آمنة هنا، كل طريق مليء بالمخاطر"
بهذه الكلمات وصف نمر واقع جولاته اليومية بين القرى المدمّرة، حيث يتنقل بين العديد من مناطق الجنوب، من مدينة صور وقضائها إلى برج الشمالي، الحوش، البازورية، عين بعال، وادي جيلو، باتوليه، حناويه، قانا، معركة، العباسية، طورا، دير قانون، برج رحال، وجناتا وغيرها. لم تخلُ زياراته من مشاهد الدمار والخراب الواسع الذي طال المنازل والمرافق والبنى التحتية، فضلاً عن التنقل وسط تحليق الطائرات المسيّرة وأصوات الغارات. موضحاً أنه يتخطّى الطرق المقطوعة ويحاول إتمام مهمته بأسرع وقت ممكن لتجنّب المخاطر قدر الإمكان.
رغم كل تلك المخاطر، يصرّح نمر بأن ما يؤثر عليه ليس العمل نفسه، بل مشاهد الخراب التي يضطر لنقلها إلى أهالي البيوت الذين فقدوا كل شيء. ورغم ذلك، يجد نمر في عمله فرصة حقيقية للمساعدة. ويصف شعور الفرحة الذي ينتابه بعد إنجاز أي مهمة بنجاح، ويقول: "كنت قبل العدوان أعمل في توصيل الطلبات وأحياناً كسائق تاكسي، أما الآن فكل يوم أجد في مهمتي دوراً أكبر يمكنني من مساعدة الآخرين". وأضاف: "أتمنى أن ينتهي هذا العدوان قريباً، لكن إذا استمر سأواصل عملي مهما كانت الظروف. قدري مكتوب، وأنا متوكل على الله".