مرّت على لبنان منذ بدء الحرب الإسرائيلية إلى اليوم صور وفيديوات تختصر المشهدية اليومية التي يعيشها اللبنانيون، لا سيّما من هم على بعد أمتار من خطوط الموت والدمار.
بالأمس، تابع اللبنانيون على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لرجل مسن، ظهر جالساً بهدوء تام على كنبته المفضّلة التي لم يفارقها يوماً. ما هي إلا ثوانِ معدودة حتى يتبع هذا المشهد وميض لصاروخ استهدف مبنى في منطقة الشياح مواجهاً للمنزل الذي يقطن فيه هذا المسن. يحصل التفجير فتهبّ رياح الدمار باتجاه شبّاك صاحب المنزل، تُبعثر المحيط كلّه لكنّها تعجز عن تعكير سكينة هذا الجد الصامد،
الذي قدّم تعبيراً مدججاً بابتسامة ساخرة من هذا العدو، وكأنه يقول: "جالس على أريكتي، أبتسم، لستُ خائفاً، ولا أهاب الموت".
المؤكّد أنّ من شاهد فيديو المسن، أعاده مرّة بعد مرّة، فقط من أجل التمعّن بردّة فعل هذا الرجل الصامد. تبع هذا الفيديو تدخّل المعنيين وبذلهم محاولات حثيثة لإقناع هذا الرجل بضرورة إخلاء المنزل، فيما كان رفضه جلياً وتشبّثه بدارته أمراً لا مساومة فيه إلى أن أفلحت في النهاية المحاولات.
حفيدة هذا الصامد الذي عايش حروب لبنان جميعها، أطلّت عبر حسابها في "إنستغرام"، موجّهة الشكر لكل من تفاعل مع فيديو جدّها المنتشر، معترفة بأنها لم تتوقّع أن يحقق هذا الانتشار الواسع.
أعادت يارا خليل نشر فيديو قصة صمود جدّها، مرفقة إياه بتعليق قالت فيه: "تم تصوير فيديو جدي حوالي الساعة 5:30 مساءً. لم أتوقع أن ينتشر بهذا الشكل، لكنني تلقيت الكثير من الرسائل الطيبة والمحبّة. شكراً لكم على أمنياتكم الدافئة".
ثمّ عادت وتوجّهت إلى كل من سخر من الفيديو قائلة: "أما لمن سخر منه أو تعامل معه كمزحة، فأتمنى لكم الشفاء. الله كبير"، مضيفة: "قبل أن تتحدثوا أو تحكموا، أرجو أن تأخذوا لحظة للتفكير".
تسرد يارا تفاصيل ما حصل: "كنتُ أجلس بجانب أختي عندما حدث ذلك. هي التي صوّرت الفيديو الأوّل بنيّة إظهار ما يحدث للعالم. لم نتمكن من الإخلاء لسببين: أولاً، كان موقع القصف أقل من 50 متراً بعيداً عنّا، ما جعل أمر الخروج خطراً للغاية، حيث لم نكن نعلم متى يمكن أن يضربوا مجدداً أو يفاجئونا. قيل لنا إنّ البقاء في الداخل أكثر أماناً".
تتابع: "جدي رفض المغادرة. منذ يوم ولادته، لم يغادر منزله أو بلدته، الشياح. بالنسبة له، هذا ليس مجرد منزل إنه حياته وذكرياته، وكل شيء عزيز عليه".