النهار

نازحو بعلبك قلّة قليلة يعودون... "سنعيد ما تهدّم" (فيديو + صور)
لينا اسماعيل
المصدر: النهار
نازحو بعلبك قلّة قليلة يعودون... "سنعيد ما تهدّم"  (فيديو + صور)
متضررون يفتشون عن بعض مقتنيات منازلهم المدمرة في بلدة فلاوى
A+   A-

سلك النازحون في غرب بعلبك أسوة بغيرهم طريق العودة، بالرغم من حال الدمار الذي طال بلداتها، بخاصة بوداي، فلاوى، وطاريا، حيث تكبدت نصيباً وفيراً من الدمار والدم. ورغم كل هذا التدمير، يتجول أهلها بين الأنقاض تحت أزيز الطائرات المسيرة الإسرائيلية، مرددين لـ"النهار": "إننا سنعيد بناء كل حجر تهدم".

وقفت بعض العائلات التي عادت إلى ديارها مشدوهة أمام الفاجعة والخراب الذي حل بالمكان، فكل شيء تحوّل إلى ذكريات. منازل مهدّمة بالكامل، أو جزئياً، ومن صمد منها أصيب بتشققات فتحولت إلى بقع غير صالحة للسكن. هي بلدات منكوبة بكل ما للكلمة من معنى. ومعظم الأهالي يتجنبون دخولها خشية من وجود أجسام مشبوهة أو تخوفاً من وجود أشلاء قد لا تزال مدفونة تحت الأنقاض.
جزء آخر فتحوا أبواب منازلهم لتقبل العزاء بـ"الشهداء" وانشغلت النساء المتشحات بالسواد في جمع ما تبقى وما هو صالح للاستخدام.

 

 

بلدة بوداي - الحفير التي لا تزال تحافظ على الهندسة القروية معمارياً، أصيبت بأكثر من 100 غارة، غيّرت معالم أحياء برمّتها، والمنازل سُويت بالأرض.

الحجة أم علي، هي ممن اخترن البقاء في مسقط رأسها رغم تقدمها في السن، وبسبب ابنها من ذوي الاحتياجات الخاصة الذي يحتاج إلى رعاية خاصة. تقول لـ"النهار": "من سيتحمل عبء ابني؟ أنا والدته، وقد قُدِّر لي أن أكون معه، وقد سلمنا أمرنا إلى الله".

رجل مسن، على ملامحه نشوة العودة، يقود سيارته المحملة بالأغراض والفرش، برفقة عائلته، يقول: "يا ابنتي نزحت بناءُ على رغبة أولادي وعدت سريعاً "حتى شم هوا بوداي" ونقيم أعراساً لجميع الذين استشهدوا". 

 

 

عند أحد المنازل المدمرة في الحفير، استقبلتنا وجوه الأطفال بابتسامات مشرقة لا تفارق محياهم، مرددين "أهلاُ وسهلاً، والحمد لله على سلامتك". وقد أخذوا بيدينا نحو مواقع الغارة، حيث كانوا يلعبون في براءة تامة دون أن ينشغلوا بتلك الطائرات الإسرائيلية التي كانت تترك خلفها "هدايا" مؤلمة من مخلفات صاروخية، ليقدموها لأطفال بوداي.

ومن بوداي التي شهدت عودة النازحين السوريين إليها قبل أن يطأها أهلها، توجهنا إلى بلدة فلاوى التي نالت نصيبها من القصف، ولا سيما أمام بلديتها المتضررة أيضاً من القصف الإسرائيلي. فوجئ من عاد من أهلها بحجم الدمار العاصف. 

 

 

 

 

بدا الحزن كبيراً أمام منزل الشهيد حسن السبلاني وعائلته الذين سقطوا نتيجة غارة استهدفت منزلهم الذي بدا كأنه ضربه زلزال لا يستطيع مقياس ريختر تحديد درجاته التدميرية.

وقف مختار البلدة منعم السبلاني أمام منزل صهره حسن المدمر، وقد غمرته مشاعر الحزن والأسى، حيث بدت على ملامحه علامات الوجوم يقول لـ"النهار": "لقد استشهدت أختي وزوجها ابن عمي، وأولادهم، ونجا منهم يونس فقط. صهري يملك مزرعة، وليس لأهداف عسكرية أو حزبية، واثنان من أولاده في المؤسسة العسكرية. أما الشهيد العسكري في الجيش اللبناني حسن، فقد كان في تلك اللحظة قد دخل إلى منزله عائداً من خدمته، بينما كان يونس في خدمته".

سيظل السبلاني يذكر بعمق مشهد جثمان ابنة شقيقته وجنينها الذي خرج من بطنها حيث كانت حاملاً في الشهر السابع، بينما لم يبقَ من شقيقتها غدير سوى محفظتها الدراسية، فيما لا تزال أشلاء أحدهم مطمورة تحت الأنقاض حتى الآن.

على بعد ثلاثة أمتار، تقف الطفلة أماني السبلاني التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها، حبيسة منزلها طوال أتون الحرب. تسعى جاهدة لإخفاء مخاوفها عنا، إلا أن ملامح وجهها التي تنطق بآثار الرعب، تعكس أصدق مما قد تقوله الكلمات.

لقد طالت الغارات المروعة أشجار السنديان العتيقة التي يزيد عمرها عن المئة عام، ومن بينها شجرتان سُجّلتا لدى وزارة الزراعة، حيث تفوق أعمارهما 150 عاماً.

بين فلاوى والسعيدة وطاريا كانت الطريق تعج بالأهالي، حيث كانوا لا يزالون يعودون إلى ديارهم. وخلال جولتنا، تلمسنا مشاهد مؤلمة لعشرات العائلات التي وقفت على أنقاض منازلها، تكتفي بنظرات مليئة بالذهول والأسى.

في بلدة عدوس، لا تزال نيران الحرائق تلتهم مبنى يعود لـ"آل طرابلسي"، الذي تعرض لهجوم إسرائيلي ليل الثلثاء الماضي. وتتسلل روائح كريهة وسامة إلى الأجواء، يُحتمل أن تكون ناجمة عن قنابل فوسفورية، يُزعم أن القوات الإسرائيلية قد استخدمتها لأول مرة في تلك الليلة. أما في محلة الكيال ودورس، فإن آثار القصف تبدو جلية وعميقة، خاصة في الطرق الرئيسية وبعض المباني السكنية المتضررة.

 

 

في مدينة بعلبك تغيّر المشهد جذرياً عما كان عليه بالأمس. بدأت العائلات في العودة تدريجياً، وفتحت بعض المحال التجارية أبوابها من جديد، ويبقى الهم البعلبكي الأكبر هو الشروع في إعادة بناء ممتلكاتهم.

العودة ليست كبيرة، فبعلبك لا تزال فارغة، نسبة العودة قد لا تتخطى40% من سكانها. من عادوا أغلبهم ممن نزحوا داخل لبنان، فيما من غادروا إلى سوريا أو العراق، لم يعودوا بعد، إلا "الشح" من سوريا.

بحسب المعلومات، بلغ عدد الغارات التي طاولت بعلبك الهرمل 1,291 غارة، أسفرت عن مآس في البقاع الشمالي تخطت حدود الألف ضحية، بالإضافة إلى 1,506 جرحى. وقد بلغت الخسائر المادية أبعاداً مروعة، حيث تضررت أكثر من 15,000 وحدة سكنية ومؤسسة، بين دمار كامل وجزئي، فضلاً عن تأثر 3,000 وحدة سكنية أخرى.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اقرأ في النهار Premium