متغيّرات عديدة تعيشها مناطق لبنانية على تخوم سنةٍ من بدء المناوشات القتالية بين محور "الممانعة" والجيش الإسرائيلي، والتي كان أطلق "حزب الله" شراراتها تحت مسمّى "جبهة الإسناد" لحركة "حماس" في حرب غزّة. لكنّ الرشقات الهجومية المحصورة تحوّلت مواجهات صاروخية مع الجيش الإسرائيلي الذي من ناحيته استطاع أن يغيّر تباعاً في مستويات ضرباته الجوية واستهدافاته، مع استخدامه تقنيات تكنولوجية متطوّرة في اغتياله قادة "حزب الله"، فإذا بالمعارك تتحوّل حرباً لا تقلّ تفجّراً عن المواجهات في قطاع غزّة.
وإذا كان خصوم محور "الممانعة" في لبنان قد ابتعدوا في غالبيتهم عن الإدلاء بتصريحات سياسية الطابع بعد مرحلة اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، فإن ذلك لم يلغِ شجبهم لـ"جبهة الإسناد"، بعدما توسعت الغارات الإسرائيلية على القرى والبلدات اللبنانية الحدودية وهجّرت الأهالي.
وعلى المستوى النيابيّ اللبنانيّ المعارض لـ"حزب الله"، هناك من يرجّح أن تكون تبعات "جبهة الإسناد" كارثية على لبنان اجتماعياً ومعيشياً، وعلى الحزب سياسياً وعسكرياً، خصوصاً في خضمّ استهداف قادته العسكريين والسياسيين وتراجع قدرته على تشكيل قوّة ردع أو حماية مقاتليه من الاختراقات الأمنيّة.
والحال أنّ الانتقاد الأساسيّ الذي يوجّهه من لا يتلاقى مع "حزب الله" في السياسة، فحواه أنّ الحزب لم يضع ترجيحات مسبقة لنتيجة ردّ تل أبيب، وقد يكون فوجئ بالتطور التكنولوجيّ للجيش الإسرائيلي.
وفي اختصار لنتيجة "جبهة الإسناد" التي تحوّلت حرباً بين "حزب الله" وإسرائيل، يقول العميد الركن الطيار المتقاعد أندره أبو معشر لـ"النهار" إن "البعض قد يعتقد أنها السبب المباشر لما نحن عليه اليوم، فيما نيات العدوّ الإسرائيلي لا علاقة لها بجبهة الإسناد، لذلك لا يمكن القول إن هذه الجبهة هي التي ورّطت لبنان، بقدر ما كانت النيات العدوانية لإسرائيل السبب المباشر لما نحن عليه".
وهل استطاعت الجبهة خدمة القضية الفلسطينية وتخفيف الضغط عن "حماس"؟ يرى أن "هذا سيكون محلّ تقويم في المستقبل لتحديد فاعلية الجبهة من عدمها".
لا يغفل أبو معشر أن "القدرات الجوية والاستخبارات الإسرائيلية متفوّقة جدّاً في ميزان القوى، ولا يمكن مقارنتها بقدرات الحزب القتالية أو الصاروخية، وأن قدرات دول التحالف موضوعة في تصرّف إسرائيل خدمة لتحقيق الأهداف الإسرائيلية. وقد استطاع الحزب تحقيق ضربات في العمق الإسرائيلي لكنّها لم تؤثّر في شكل مباشر على مجرى المعركة، ولو أنها رسمت نوعاً من معادلة الردع أو توازن الرعب. ولكن في المحصلة عندما قرّرت إسرائيل الذهاب إلى بدء حرب تدمير الحزب، لم يعد لهذه الصواريخ أي تأثير على مجرى المعركة، فيما سيكون حسم المعركة من خلال المواجهة العسكرية البرية بين مقاتلي الحزب والجيش الإسرائيلي".
ثمة من يسرد أن "حزب الله" خسر في نظرية الحرب رغم أنّه كان عليه التحسّب مسبقاً لأرجحية الربح أو الخسارة، لكنّ قيادة الحزب لم تقارب هذا الموضوع رغم أهميته الكبرى. وإذ تبقى هذه الحلقة التي تتوسّع على حالها، من الصعب التنبّؤ بمجريات الحرب فيما الخسائر إلى اتساع، بشريا وماديا. هذا ما يحصل بحسب الخبير العسكري العميد الركن المتقاعد نزار عبد القادر، لكنه يعتقد أنّ "حزب الله" استطاع استعادة أنفاسه في المواجهات البريّة التي يخوضها، "وهو لا يزال يخوضها بقوّة رغم أنّ الاستهدافات الإسرائيلية الجويّة ضخمة. إن لم يُعيّن أمينٌ عام جديد لحزب الله سريعاً فيمكن ذلك أن يؤثّر على قدراته، ولا بدّ له تالياً أن يطلب النجدة من بقية فصائل محور الممانعة في سوريا والعراق".
ويضيف عبد القادر: "يشكّل الحزب مؤسسة كبيرة لديها تاريخها الطويل من العمل العسكري، لذلك فالاغتيالات التي استهدفت بعض قيادييه لن تمنع أن يكون لدى الأخير مساعدين للحلول مكانهم. إنّ حزب الله ليس جيشاً نظاميّاً لكنه يشكّل ميليشيا مقاتلة بمجموعات صغيرة، وهو ما يعطيه قوة ويسمح له بمفاجأة القوات العسكرية الإسرائيلية في العمليات القتالية. ولا حاجة بالمقاتلين إلى الكثير من القادة العسكريين، ومن السهل تحريكهم خلال المعارك القتالية. إن المعادلة على مستوى المواجهات البرية لا تزال جيدة، وتخدم مصالح حزب الله حتى الآن".
في تفسير أبو معشر للتطورات العسكرية، فقد "تلقّى الحزب ضربات قاسية واستطاع العدو الإسرائيلي تدمير جزء كبير من قدراته القتالية وترسانات الصواريخ، ولكن أكثر الضربات إيلاماً كانت استهداف الأمين العام السيد حسن نصرالله، مع احتمالات كبيرة أن يكون الكثير من القادة قد اغتيلوا. واستطاعت إسرائيل تحقيق مفاجآت على مستوى الخرق الاستخباريّ والميدانيّ والتفوق التكنولوجي وتوجيه ضربات كانت شبه قاسية للحزب أدّت إلى ضعضعة منظومة القيادة والسيطرة وخلخلة في هرمية القيادة، وهو في حاجة اليوم إلى إعادة تنظيم للقتال".
ويستنتج: "لا يمكن وقف الهجوم الإسرائيلي إلا إذا استطاع حزب الله إلحاق ضرر وإصابة مقاتلين من الجيش الإسرائيلي بشكلٍ يفوق قدرة الأخير على التحمّل ويجبره على الذهاب إلى الخيارات الديبلوماسية. إنما نية إسرائيل القضاء على حزب الله وتدمير قدراته. على الحزب الصمود وتفعيل الخطط المسبقة الإعداد والمناورة والمرونة واستعادة زمام المبادرة وتحقيق الضربات حتى على محاور التقدّم وخلف الجيش الإسرائيلي".