هاني سكر
فعلى سبيل المثال، دفعت أندية الدوري السعودي 16.4 مليون ريال الموسم الماضي ، بحسب صحيفة "الرياضية" السعودية، مقابل استقدام الحكام الأجانب، وتقدم الهلال القائمة بعد أن طلب حكاماً من خارج السعودية لجميع مبارياته الـ30 بالدوري، الوحيد الذي قام بهذا الخيار بجميع مبارياته، ليصل مجموع ما أنفقه 5.4 مليون ريال، علماً أن لجنة الحكام كانت قد حددت للموسم الحالي تكاليف استقدام طواقم التحكيم على ألا تتجاوز تكلفة استقدام الكادر، 4 حكام، حد 175 ألف ريال سعودي للمباراة الواحدة، وأن يرتفع الرقم إلى 219 ألف ريال بحال الاستعانة بحكام الفيديو أيضاً. وهذا الحال ينطبق أيضاً على معظم الدوريات العربية التي باتت الجماهير والأندية تطالب فيها باستمرار بالميزان الأجنبي وترفض قرارات الحكم المحلي بغض النظر عن التكلفة.
وتنوع استقدام الحكام من القارات المختلفة، حيث كان الحكام اللاتينيون هم الأكثر استقداماً بالسعودية (47 مباراة مقابل 42 للحكام الأوروبيين)، في حين كانت نسبة الأوروبيين هي الأكبر في الدوري الإماراتي، بالوقت الذي شاهدنا فيه العديد من الدوريات العربية تعتمد على تبادل الحكام العرب فيها بينها.
وبتصريح خاص لصحيفة "النهار" تحدث خبير التحكيم في قنوات الكأس الحكم الدولي السابق تمام حمدون، والذي تم اختياره كأفضل حكم مساعد في آسيا عام 2008، عن أن الحكام الأوروبيين يتفوقون على باقي حكام العالم، لأن مستواهم الفني وفهمهم الصحيح لكرة القدم يضعهم بالمقدمة، ومن ثم يأتي حكام أميركا الجنوبية، ومن بعدهم باقي الحكام.
وعن الفارق بين الحكم المحلي والأجنبي يقول حمدون: "قد لا يتفوق الحكم الأجنبي، القادم من خارج الدولة، على الحكم المحلي، ولكنه غير معرض للضغوطات التي يعاني منها الحكم المحلي الذي يعيش الضغوطات وأجواء كرة القدم والبطولة بشكل يومي وربما بكل ساعة، أما الحكم القادم من الخارج لا يواجه أي ضغوطات أو أي حسابات، فبعض الحكام يعانون من رهبة من بعض الأندية أو من بعض الجماهير، ليس من باب التحيز وإنما خوفاً من الخطأ مما يضعهم تحت ضغط خلال قيادتهم لمباريات دوريهم المحلي".
أما عن تأثير استقدام حكام أجانب تابع حمدون: "بالتأكيد يؤثر وجود الحكم الأجنبي سلباً على الحكم الوطني الذي يحتاج لأخذ فرصته بالدوري المحلي، فحين تطالب لجنة الحكام بأي اتحاد محلي من الاتحاد الآسيوي أو الدولي بإدراج حكم ضمن المباريات والبطولات العالمية، سيأتيها الرد "إن كان هذا الحكم غير حاضر بالدوري المحلي كيف سيقود مباراة خارجية"، بالمقابل ممكن أن يؤدي وجود الحكام الأجانب لاكتساب الخبرة إن كانوا من الحكام المميزين، لكن ممكن أن نكسب هذه الخبرة من خلال حضور مبارياتهم ولا يتعلق الأمر بمشاركتهم بالدوري المحلي، إضافة لذلك يحتاج الحكم للخبرة، وهذه الخبرة لا يكتسبها إلا من دوريه المحلي، وكل ما كان عدد المباريات التي يقودها الحكم أكبر كلما زادت خبرته أكثر، لذا فإن وجود الحكم الأجنبي يقلل من فرصة هؤلاء الحكام."
وبحسب صحيفة "البيان" أدار الحكام الأجانب 17 مباراة في الدوري الإماراتي الموسم الماضي بزيادة ملحوظة عن الموسم الذي سبقه، 6 مباريات، وبلغت تكلفة الطاقم الأجنبي 170 ألف درهم عن المباراة الواحدة، وتبدو تجربة التحكيم في الدوري المصري شبيهة، حيث قالت صحيفة "اليوم السابع" أن الأهلي دفع 70 ألف دولار لاستقدام طاقم تحكيم إسباني لمباراته مع الزمالك، قبل أن ينسحب الأخير ويرفض خوض اللقاء، وبحسب "المصري اليوم" فإن الأهلي تكلف ذات المبلغ أيضاً لاستقدام حكام أجانب للقاء بيراميدز.
كما تعمل العديد من الدول العربية الأخرى أيضاً على تبادل طواقهما التحكيمية، ففي شباط (فبراير) الماضي أعلن الاتحاد العراقي لكرة القدم عن بدء الاستعانة بحكام من رومانيا والأردن والإمارات والكويت بعد توقيع اتفاقيات تعاون مع اتحادات الدول المذكورة، قبل أن تدخل تونس القائمة أيضاً، حيث تولى طاقم تحكيم عراقي قيادة قمة الإفريقي والترجي الموسم الماضي، بالوقت الذي تولت فيه طواقم إماراتية وسعودية وأردنية قيادة عدة مباريات قمة بالدوري العراقي، كما سجل الحكام الأجانب حضورهم بقوة بالدوري الكويتي بقيادتهم 29 مباراة خلال موسم 2022‚3 علماً أن 2 من الحكام كانا سعوديين.
لذا يتفق البعض على أن استقدام حكام من الخارج قد يتم أيضاً بمبدأ أن "مزمار الحي لا يطرب"، وأحد أبرز الأمثلة على ذلك حدثت قبل سنتين، حين قاد طاقم تحكيم أردني في نيسان (أبريل) 2022 قمة الدوري السوري بين المتصدر تشرين وثاني الترتيب الوثبة، قبل أن يقوم طاقم تحكيم سوري بعدها بشهرين بقيادة لقاء القمة بين الفيصلي والوحدات بالأردن، وبحسب الصحف الأردنية فإن الوحدات دفع حينها حوالي 15 ألف دينار أردني لاستقدام حكام أجانب لثلاث مباريات منها اثنتين ضد الفيصلي (طاقم سوري وآخر أوزبكي)، ومباراة ضد الحسين إربد (طاقم قطري)، ومن الواضح أن دفع النادي لأجور التحكيم لا يؤثر على حسابات النزاهة التحكيمية لأن الوحدات حينها حصد نقطة وحيدة فقط من هذه المباريات الثلاث.
وعن هذا الأمر قال حمدون: "نظرية المؤامرة موجودة بدورياتنا العربية دائماً، والتفكير دائماً بأن الحكم يحب هذا الفريق ولا يحب ذاك، لذا هذا الموضوع يؤثر بشكل كبير على تقبل القرارات، وبصراحة الحكم الأجنبي يحقق نجاحاً أكثر بدورياتنا المحلية للأسباب التي ذكرناها، لذا بات الجمهور يشعر بالراحة النفسية حين يرى حكماً أجنبياً، ولو أن الحكم الأجنبي يتقاضى أكثر من المحلي، لكن هذا الواقع نحن دائماً نميل للأجانب".
ويرى حمدون أن مستوى التحكيم العربي يتراجع بشكل مستمر نتيجة عوامل عديدة تحدث عنها بالقول "للأسف هناك ضعف كبير لدى لجان الحكام، فالدول التي أسست دوائر تحكيم وجلبت خبرات أجنبية نرى أنهم نجحوا بذلك، والدول التي لا تملك دوائر تحكيم وتعتمد على الحكم المحلي دون أن يتقاضى مع يتقاضاه الأجنبي فإن هذا يؤثر على مستواه بشكل كبير، كما يعاني التحكيم العربي من ضعف استكشاف المواهب التحكيمية أيضاً، إضافة إلى عدم وجود المواهب، لأن معظم الحكام الحاليين تمت صناعتهم، والصناعة دائماً تعطي نتائج أقل من امتلاك الموهبة، لذا تضطر بعض الدول نتيجة ضغط الجمهور والمسؤولين عن الأندية لجلب حكم أجنبي".
وتابع حمدون: "مستوى التحكيم العربي بهبوط، بعد اعتزال جيل جمال الشريف وعبدالرحمن الزيد وعلي بوجسيم، لم يكن الجيل التالي بذات المستوى، وجيلاً بعد جيل استمر الهبوط أكثر، وللأسف الحلول ضعيفة جداً لدى اللجان العربية".
قبل 26 عاماً صنع الحكام العرب الحدث حين قاد الإماراتي علي بوجسيم لقاء نصف نهائي المونديال بين البرازيل وهولندا، قبل أن يقود المغربي سعيد بلقولة المباراة النهائية التي جمعت فرنسا والبرازيل، قبل أن يعود بوجسيم ليقود افتتاح مونديال 2002، لكن بناء على طلب الأندية والجماهير اليوم قد ينحسر دور الحكم المحلي تدريجياً بالمباريات بظل البحث المستمر عن خلق المزيد من الثقة والعدالة بقرارات قضاة الملاعب، حتى لو كانت بصافرة أجنبية وبتكلفة عالية.