النهار

الاستثمار الخليجي في الأندية الأوروبية: تحليل للتأثير والاستدامة
المصدر: النهار
خلال العقدين الماضيين، برزت دول الخليج كمستثمرة رئيسية في كرة القدم الأوروبية، حيث سعت إلى استخدام الرياضة وسيلة لتعزيز حضورها الدولي وتنويع اقتصاداتها.
الاستثمار الخليجي في الأندية الأوروبية: تحليل للتأثير والاستدامة
سيتي يتحوّل من فريق متوسط إلى قوّة كروية بارزة. (أ ف ب)
A+   A-

الرياض – خالد كرم

بدأ هذا الاستثمار مع استحواذات بارزة على أندية كرة القدم الأوروبية، مما وفّر دعماً مالياً كبيراً لتعزيز الفرق، وجذب اللاعبين المميزين، وحسّن البنية التحتية. ومع ذلك، يبقى السؤال طويل الأمد بشأن استدامة هذه الأندية، والعوائد التي حققتها الدول المستثمرة، موضوعاً محورياً للنقاش.

الفكرة الأولية: تحول استراتيجي
بدأت منطقة الخليج بالتوجه نحو الاستثمار في كرة القدم الأوروبية بشكل جدي من خلال قطر، أبو ظبي، والسعودية، حين تبنّت كل دولة استحواذات بارزة. رأت هذه الدول أنّ كرة القدم تمثل منصة ممتازة لعرض "القوّة الناعمة"، وجذب الانتباه العالمي، وتعزيز صورتها الدولية. وقد حققت هذه الاستثمارات عوائد ملموسة وغير ملموسة، بما في ذلك تعزيز السياحة، وتحسين الصورة الوطنية، وتوفير التنوّع الاقتصادي بعيداً من الاعتماد على النفط.

أمثلة رئيسية للاستثمار الخليجي
1 - مانشستر سيتي (2008 - مجموعة أبو ظبي المتحدة):
الاستثمار الأولي: استحوذ الشيخ منصور بن زايد آل نهيان على نادي مانشستر سيتي عام 2008 مقابل نحو 210 ملايين جنيه استرليني.

التأثير والنجاح: تحوّل مانشستر سيتي من فريق متوسط المستوى في الدوري الإنكليزي إلى قوّة كروية بارزة. فاز الفريق بـ6 ألقاب في الـ"بريميرليغ" بين عامي 2012 و2023، إلى جانب بطولات كأس الاتحاد وكأس الرابطة. وارتفعت قيمة النادي إلى نحو 4.99 مليارات دولار عام 2024.

الاستدامة: تم ضمان الاستدامة المالية من خلال زيادة الإيرادات من صفقات الرعاية، مثل الاتفاقيات مع "طيران الاتحاد"، إلى جانب إيرادات المباريات والبث. بحلول عام 2021، قُدّرت قيمة مجموعة سيتي لكرة القدم (CFG)، التي تدير النادي، بنحو 5 مليارات دولار.

2 - باريس سان جيرمان (2011 - قطر للاستثمارات الرياضية):
الاستثمار الأولي: عام 2011، استحوذت قطر للاستثمارات الرياضية على 70% من نادي باريس سان جيرمان مقابل نحو 70 مليون يورو.

التأثير والنجاح: سيطر باريس سان جيرمان على الدوري الفرنسي، حيث فاز بـ9 ألقاب من أصل 10 منذ عام 2011. ارتفعت قيمة النادي إلى 4.21 مليارات دولار في عام 2024، كما أصبح باريس سان جيرمان منافساً دائماً في دوري أبطال أوروبا، ووصل إلى النهائي عام 2020.

الاستدامة: بالرغم من الإنفاق الكبير على اللاعبين مثل نيمار (222 مليون يورو)، وكيليان مبابي (180 مليون يورو)، فقد نجح النادي في تأمين مصادر دخل هائلة من خلال صفقات الرعاية، خصوصاً مع "الخطوط الجوية القطرية"، وزيادة التفاعل مع الجماهير العالمية. ومع ذلك، يعتمد باريس سان جيرمان بشكل كبير على التمويل القطري، مما يثير تساؤلات حول الاستدامة بموجب لوائح اللعب المالي النظيف للاتحاد الأوروبي.

3 - نيوكاسل يونايتد (2021 - صندوق الاستثمارات العامة السعودي):
الاستثمار الأولي: عام 2021، استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على 80% من نادي نيوكاسل يونايتد مقابل 300 مليون جنيه استرليني.

التأثير والنجاح: شهد نيوكاسل انتعاشاً سريعاً بعد استحواذ صندوق الاستثمارات العامة، إذ أنهى موسم 2022-2023 في المركز الرابع ضمن الدوري الإنكليزي، وتأهّل إلى دوري أبطال أوروبا للمرّة الأولى منذ عقدين. ارتفعت قيمة النادي إلى نحو 500 مليون جنيه استرليني.

الاستدامة: يركّز النموذج السعودي على خلق استدامة طويلة الأمد من خلال تحسين البنية التحتية، بما في ذلك مرافق الأكاديمية وملاعب التدريب، وتأسيس شراكات تجارية مع شركات سعودية مثل "أرامكو" و"نيوم".

هل ضمنت الاستثمارات الخليجية الاستدامة؟
تعتمد استدامة الأندية المدعومة خليجياً على نهج متوازن. يُعتبر النموذج المالي لمانشستر سيتي مستداماً، إذ توسّعت مجموعة سيتي لكرة القدم لتشمل أندية في الولايات المتحدة وأوستراليا وإسبانيا. ضمِن هذا التوسع العالمي تحقيق إيرادات كبيرة، إلى جانب صفقات الرعاية، مما يضمن الاستقلال المالي. من ناحية أخرى، يواجه نموذج باريس سان جيرمان انتقادات، خصوصاً في ما يتعلق بلوائح اللعب المالي النظيف للاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، نمت علامة باريس سان جيرمان التجارية بشكل كبير، وبقي النادي منافساً على المستويين الرياضي والتجاري.

العوائد على الدول الخليجية
تجاوزت العوائد التي حققتها دول الخليج من هذه الاستثمارات الأرباح المالية، إذ عزّزت هذه الاستثمارات سمعتها الدولية. اكتسبت قطر مكانة بارزة من خلال باريس سان جيرمان، واستضافة ناجحة لكأس العالم 2022. واستفادت أبو ظبي من استثماراتها في مانشستر سيتي في تعزيز السياحة، وتعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأوروبية، وتنويع اقتصادها.

بالإضافة إلى ذلك، أنشأت مجموعة سيتي لكرة القدم شبكة عالمية من الأندية التي تساهم في زيادة تأثير أبو ظبي على كرة القدم العالمية.

التحوّل إلى النموذج السعودي
بعد أن كانت دول الخليج تركز في البداية على الاستثمار في الأندية الأوروبية، انتقلت السعودية نحو التركيز على تطوير مشهد كرة القدم المحلي. بعد نجاح استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نيوكاسل يونايتد، تحوّل التركيز السعودي إلى الدوري السعودي عام 2023.

جذب الدوري السعودي انتباه العالم من خلال التعاقد مع نجوم عالميين مثل كريستيانو رونالدو وكريم بنزيما ونيمار، كما استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصص في أربعة من أكبر الأندية السعودية (النصر، الهلال، الاتحاد، والأهلي)، مما يعكس جهداً كبيراً لرفع مستوى الأندية السعودية إلى علامات تجارية عالمية.

التأثير الاقتصادي للاستثمار المحلي
تهدف الاستراتيجية السعودية إلى إنشاء نظام كروي قوي يتميز بالاستدامة الذاتية، ليس فقط لتعزيز الاعتراف العالمي بالأندية السعودية، بل أيضاً لتحفيز الاقتصاد المحلي.

أدّى تدفق النجوم إلى زيادة كبيرة في حقوق البثّ التلفزيوني وصفقات الرعاية وزيادة السياحة، خصوصاً السياحة الرياضية.

بحلول عام 2024، من المتوقع أن يحقق الدوري السعودي أكثر من مليار دولار من الإيرادات من مصادر متعددة. يتماشى هذا مع رؤية السعودية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد من خلال تعزيز قطاعات الترفيه والسياحة والرياضة.

اقرأ في النهار Premium