أحمد محيي الدين
لطالما اشتهر لينيكر بتصريحاته القوية، ولا سيما جملته الشهيرة في أعقاب لقاء ألمانيا وإنكلترا في نصف نهائي مونديال 1990 في إيطاليا "كرة القدم هي رياضة يتنافس فيها 11 لاعباً ضد 11، وفي النهاية تفوز ألمانيا". أو حتى تصريحه عن الأسطورة الحية الأرجنتيني ليونيل ميسي بقوله "هو يفعل في كل مباراة أربعة أو خمسة أشياء لم أستطع فعلها في حياتي المهنية، هو الأفضل في التاريخ لم أكن أتوقع أنني سأرى من هو أفضل من مارادونا".
وبالرغم من أنه المحلل الأغلى في العالم، والأعلى أجراً كمقدم في هيئة الإذاعة البريطانية، إذ كان يتقاضى نحو 1,5مليون جنيه إسترليني، لطالما أثار الجدل بمواقفه، ولا سيما المناوئة لحكومات بلاده، بينها انتقاد رئيس الوزراء السابق ريتشي سوناك بسبب قضية اللاجئين، حيث أكد في نيسان (أبريل) 2023 أنه سيحاول الاستمرار في الدفاع عن الذين "لا صوت لهم"، بعد انتقادات لتغريداته عندما قارن خطاب الحكومة آنذاك حول مشروع قانون الهجرة الرئيسي بخطاب ألمانيا النازية، ووصف القرارات بأنها "لا تختلف عن تلك التي استخدمتها ألمانيا في الثلاثينيات (إبان حكم هتلر)".
وتدخلت "بي بي سي" بعد هذه التصريحات، وقالت إنها أجرت "محادثة صريحة" مع لينيكر الذي يعمل لديها، وأكدت له حاجة الهيئة لأن تبقى محايدة. ورداً على بعض الانتقادات له غرد لينيكر "من الرائع أن نرى أنصار حرية التعبير يطالبون هذا الصباح بأعداد كبيرة أن يصمت أولئك الذين يختلفون معهم".
هذه التنبيهات لم تلق الأذن الصاغية لدى قائد المنتخب السابق، والذي تشبث بمبادئه، وتجلى هذا الأمر مع اندلاع "طوفان الأقصى" إذ اتخذ موقفاً مسانداً للقضية الفلسطينية ومندداً بالجرائم الإسرائيلية في القطاع، ثم في لبنان، وإزاء الضغط عليه، أصدرت إدارة "بي بي سي" بياناً أعلنت فيه تنحي لينيكر عن منصبه كمقدم مشارك لبرنامج "شخصية العام الرياضية"، وذلك بعد أنباء عن مغادرته برنامج "مباراة اليوم" الذي يبث لنحو ربع قرن ويجذب ملايين المشاهدين أسبوعياً، مع احتفاظه بأدواء أخرى في هيئة الإذاعة، حتى نهائيات كأس العالم 2026.
قال لينيكر في تصريح آخر عن الإبادة الجماعية في غزة، ووصفها بأنها "أسوأ شيء رأيته في حياتي". وأضاف: "أنا لست إسرائيلياً، أنا لست فلسطينياً، ولست مسلماً، ولا يهودياً، لذلك أعتقد أنني أرى الأمر من الخارج، من منظور محايد. وفي اللحظة التي ترفع فيها صوتك ضد ما يفعلونه هناك الآن، تتهم بأنك من أنصار حماس، هناك الكثير من الضغوط على الناس لكي يلتزموا الصمت، ولا يمكنني أن ألتزم الصمت بشأن ما يحدث هناك، إنه أمر مروع للغاية". ودعا اللاعب الدولي السابق "الفيفا" واللجنة الأولمبية الدولية لفرض عقوبات على الفرق الرياضة الإسرائيلية ومنعها من المشاركة في الألعاب الأولمبية في باريس.
ويتمتع لينيكر بشعبية كبيرة جداً، وآمن بمبادئه برغم الثمن الكبير، في وقت يتصاعد فيه "نبذ" الإسرائيليين في شتى ملاعب أوروبا، وآخرها مباراة منتخب فرنسا مع نظيره الإسرائيلي في باريس والتي قاطعها جمهور أصحاب الأرض بينما تحول ملعب "ساد دو فرانس" إلى ما يشبه "قلعة أمنية"، إذ طغت التوترات السياسية المرتبطة بالنزاع في غزة ولبنان؛ ما جعل اللقاء يبرز بروزاُ أكبر بسبب الظروف المحيطة به من اشتباكات في المدرجات إلى الاحتجاجات الشعبية خارج الملعب. وسبق هذا الأمر إشكالات في العاصمة الهولندية أمستردام بسبب مباراة كان أحد طرفيها فريق مكابي تل أبب حيث اندلعت اشتباكات بين جمهوره ومناصرين للقضية الفلسطينية على خلفية تمزيق علم إسرائيلي والتعرض لسائق تاكسي مغربي.