قمّة أوروبية – خليجية تاريخية عقدها البرلمان الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، واكتسبت استثنائيتها كونها الأولى منذ تدشين العلاقات الرسمية بين الجانبين عام 1989، وهي على مستوى رؤساء الدول والحكومات، ومن أبرز الملفات التي تناقشها لبنان وغزّة وأمن منطقة الشرق الأدنى في ضوء التصعيد الحاصل، بالإضافة إلى قضايا اقتصادية وتنموية مشتركة.
الأنظار تتجه نحو نتيجة هذه القمّة وما يُمكن أن تفرزه من خلاصات وتوصيات على مستوى صراعات الإقليم، انطلاقاً من أنها تتمتع بطابع أممي أوروبي – عربي، يكون لها وقعها على مجريات الصراع، لكن في الآن عينه، ثمّة ترقّب لإمكانية تطبيق هذه التوصيات كون قدرة التأثير محدودة.
وفي تقدير أستاذ العلوم السياسية والباحث الإماراتي د. عبدالخالق عبدالله أن القضية الأهم والأولى لكن ليست الوحيدة تتمثل بملفّ الأمن والاستقرار في منطقتي الشرق الأوسط وأوروبا، في ظلّ حرب روسيا وأوكرانيا من جهة، وحروب إسرائيل في غزّة ولبنان وإيران من جهة أخرى، مشيراً إلى أنّ دول الخليج تُتابع عن كثب التصعيد القائم بين تل أبيب وطهران.
وفي حديث لـ"النهار"، يرجّح عبدالله إصدار القمّة الخليجية – الأوروبية موقفاً موحداً يدعو لوقف الاشتباك في المنطقة، ووقف الحرب في غزّة، ووقف التصعيد بما يتعلّق بالردّ الإسرائيلي على إيران.
وصدرت مواقف عديدة مُطالبة بوقف الحرب، أكان لجهة جامعة الدول العربية أم منظمة التعاون الإسلامي أو لجهة الاتحاد الأوروبي، لكنّها لم تلقَ الصدى المطلوب ولم تتمكّن من إحداث خرق في المشهد التصعيدي في المنطقة.
ويرى سيباستيان سونز، الباحث في مركز "CARPO" ومقره ألمانيا، أنّ مجلس التعاون الخليجي يعتبر "الاتحاد الأوروبي نمراً بلا أسنان"، يعمل "بمعايير مزدوجة" في ما يتعلّق بهجوم إسرائيل على غزة ولبنان، حسب ما ينقل عنه موقع "The Parliament"، الذي يقول إنّ الأمن الإقليمي والتعاون العسكري (مع مجلس التعاون الخليجي) لا يحتلّ "مكانة عالية" على أجندة البرلمان الأوروبي.
يضع هذا الواقع تحدياً أمام القمّة الخليجية – الأوروبية، ومنها ما يلفت إليه عبدالله من أنّ "الدول الأوروبية والعربية والخليجية والمجتمع الدولي غير قادرين على وقف التصعيد"، وبرأيه، فإنّ القرار الأول والأخير هو "قرار إسرائيلي وقرار إيراني".
المشهد ينسحب على الولايات المتحدة أيضاً، ووفق ما تؤشر إليه تصريحات مسؤولين ومراقبين، فإنّ نفوذ الولايات المتحدة على إسرائيل انحسر في الفترة الأخيرة، وهذا ما يُشير إليه عبدالله قائلاً إن "واشنطن غير قادرة على التأثير على الأجندة الإسرائيلية التصعيدية، وفي المقابل لا قوّة قادرة على التأثير على طهران وقرارها".
وقد يتوقّف دور القمّة الخليجية – الأوروبية على إصدار موقف سياسي قد يكون ضمن سياق سلسلة خطوات سياسية أممية تسعى للضغط على طرفي الصراع في الشرق الأوسط، وفي هذا الإطار، يقول عبدالله إنّ ثمّة "حدوداً لما يُمكن للقمة أن تقوم به، وأوّل طرف سيتجاهل موقف القمّة هو الطرف الإسرائيلي، وبالتالي لا أتوقّع أن تتمكّن القمة من وقف التصعيد أو الحرب".
من جهته، يعتبر سفير الاتحاد الأوروبي لدى السعودية والبحرين وعمان كريستوف فارنو أنّ "تحدُّث جميع الأوروبيين ودول مجلس التعاون الخليجي بصوت واحد يُعطي وزناً أكثر" للموقف، ويرى أنّ تمرير "رسائل قوية" إلى الأطراف يحتاج إلى التحدّث بصوت واحد، "وذلك سيحدث فرقاً"، مُشدّداً على أهمية الوصول إلى "رؤية واضحة"، وفق ما ينقل عنه موقع "عرب نيوز".
لكن وعلى المقلب الآخر، لا يستبعد مراقبون طرح الدول الخليجية مبادرة وقف إطلاق نار بين إسرائيل و"حزب الله" وخطّة عملانية تطبيقية وإكسابها غطاءً أوروبياً، في إطار سعيها لخفض التصعيد في المنطقة. وفي هذا السياق، يلفت مراقبون إلى موعد القمّة الذي يتزامن بعد زيارة وزير الخارجية الإيراني عبّاس عراقجي إلى السعودية وقطر، غامزين من قناة الموافقة الإيرانية على المبادرة المفترضة.
إلى ذلك، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني على هامش القمّة، وجرى البحث بمستجدات الأمن الإقليمي والتصعيد وقضايا مشتركة، مع ضرورة الإشارة إلى أنّ فرنسا تُحاول لعب أدوار في التهدئة، كان آخرها مُحاولة صوغ اتفاق وقف إطلاق نار بين إسرائيل ولبنان برعاية الولايات المتحدة.
في المحصّلة، فإنّ خُلاصة القمّة الأوروبية – الخليجية تحمل أهمّية رمزية انطلاقاً من الأدوار التاريخية والحالية التي تؤدّيها الكتلتان على الصعيد العالمي، لكنّ سقف التوقّعات منخفض كون القدرة على التأثير محدودة على طرفي الصراع، وكون المصالح الثنائية بين بعض الدول الأوروبية وإسرائيل، وبينها تجارة الأسلحة، تتفوّق على الإجماع الأوروبي على موقف وقف إطلاق النار.