تسعُ وساطات ناجحة قامت بها دولة الإمارات العربية المتحدة بين روسيا وأوكرانيا لتبادل أسرى الحرب، آخرها كان في 18 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وشملت 190 أسيراً مناصفة بين الجانبين، ليصل العدد الإجمالي للأسرى الذين تمّ تبادلهم في هذه الوساطات إلى 2184.
وفي بيان لها، أعربت وزارة الخارجية الإماراتية عن شكرها للبلدين على تعاونهما واستجابتهما لجهود الوساطة لإنجاح عملية التبادل "بالرغم من تحديات ظروف الحرب الحالية، والذي يؤكد الثقة التي تحظى بها الإمارات لدى روسيا وأوكرانيا، وتقديرهما لدورها في دعم المسار الديبلوماسي لحل الأزمة بين البلدين".
وعلى وقع عمليات تبادل الأسرى من جهة، وتخبط العالم في حروب ونزاعات مختلفة، أبرزها تلك في أوكرانيا، وفي الشرق الأوسط في كل من غزة ولبنان، تتوجه الأنظار إلى قمة دول "البريكس" التي تستضيفها روسيا. وهذه القمة دولها معنية بطريقة أو بأخرى لمواجهة التحديات الاقتصادية، إلى جانب تلك السياسية والعسكرية التي تترك تداعياتها على الاقتصاد العالمي.
يتخلل هذه القمة مشاركة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي الأولى لها في "البريكس" بصفتها عضواً في المجموعة. وسبقها مساء الأحد عشاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد في قصر نوفو أوغاريوفو في ضواحي موسكو، مقر إقامة الرئيس المستضيف.
وعن هذه القمة تحديداً، يلفت أستاذ العلوم السياسية في الإمارات الدكتور عبد الخالق عبد الله إلى أن "الإمارات من أكثر الدول التي كسبت ثقة موسكو وكييف خلال السنوات الثلاث الأخيرة"، واستطاعت فعلاً تحقيق وساطات لتبادل الأسرى من خلال هذه الثقة الكبيرة التي تحظى بها لدى الأطراف. ويؤكد في حديثه مع "النهار" أنه من منطلق الثقة التي تمكنت الإمارات من الحصول عليها "أعتقد أنه لا توجد دولة أخرى في العالم مؤهلة للقيام بدور إيجابي لوقف الحرب وإعلان هدنة وربما التوصل الى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، وأعتقد أن هذا الموضوع سيكون على جدول أعمال الزيارة الى موسكو".
مركز عالمي
في أيلول (سبتمبر) الماضي، كان لبن زايد زيارة إلى واشنطن وصفت بالتاريخية، وجرى خلالها البحث في سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتكنولوجي، كما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الإمارات ثاني شريك دفاعي للولايات المتحدة بعد الهند.
بين واشنطن وموسكو، لا يرى الباحث الإماراتي عبدالله أي رابط، "فيما عدا تأكيد حضور الإمارات وتحقيق أجندتها الوطنية وتعزيز دورها كقوة اقتصادية مهمة في عالم اليوم، والدليل على ذلك انضمامها الى مجموعة بريكس"، خصوصاً أن حجم الاقتصاد الإماراتي بلغ عام 2024 حدّ 525 مليار دولار "وهو اقتصاد قوي ومنفتح وحثيث ولم يعد اقتصاداً نفطياً، إنما بات يربط بين الشرق والغرب وفيه روافد كثيرة غير النفط"، لافتاً إلى أن الإمارات "باتت عالمياً مركزاً مالياً ولوجستياً، ومركز الطيران المدني ومركزاً سياحياً عالمياً، وتبني نفسها كمركز تقني وللذكاء الاصطناعي والإبداع والابتكار".
ويضيف عبد الخالق أن "الامارات عندها اليوم مثل هذه السمعة والصداقات والشراكات وتحاول قدر الإمكان أن تكون على مسافة واحدة من جميع القوى المتنافسة خاصة الصين والولايات المتحدة، وروسيا وأوروبا"، مؤكداً أن الإمارات كسبت وداً عند الأطراف جميعاً.
ديبلوماسية نشطة
انطلاقا من الدور الديبلوماسي الذي تقوم به الإمارات حول العالم، استطاعت أبو ظبي بناء صداقات متينة حول العالم، وذلك في ظلّ ظروف دولية بالغة التعقيد، فيما يشهد الشرق الأوسط حربين شنتهما إسرائيل على قطاع غزة ولبنان، وتتجه نحو توجيه ضربة ضد إيران ما ولّد مخاوف من أنها قد تكون بداية حرب ثالثة مع طهران. وفي هذا السياق يقول الأكاديمي والباحث عبدالله إن جدول أعمال الشيخ محمد بن زايد مكتظ باللقاءات في أبو ظبي ومن خلال زياراته العديدة التي تغطي القارات من أميركا وآسيا وأوروبا والدول العربية، يهدف "أولاً وأخيراً للتخفيف من التوترات في المنطقة، والسعي نحو استقرارها لاسيما أنها باتت قريبة من حرب جديدة قد تكون السادسة خلال 40 سنة"، وبالتالي عند زيارة موسكو أو أي عاصمة أخرى فهو "يحمل هموم شعوب المنطقة ودولها ويسعى إلى حثّ هذه العواصم لتقوم بأدوارها لوقف التصعيد وإنهاء الحرب في غزة".
أزمة الشرق الأوسط
التطورات الإقليمية في الشرق الأوسط وفشل مساعي وقف إطلاق النار، وضعت الديبلوماسية الدولية أمام تحديات كبيرة، خصوصاً أن الأمور تتجه نحو تصعيد أكبر، إذ تحوّلت معركة الإسناد في لبنان إلى حرب تدميرية تشمل مختلف الأراضي اللبنانية، وتترافق مع محاذير كبيرة من أن تتوسع أكثر باتجاه إيران.
وفي هذا السياق، يبدو أن نظرة عبدالله لا تقلّ قتامة عن الواقع الحالي، وفي ردّ على سؤال "النهار" إن كان يتوقع انفراجة في الأزمة بفعل الحراك الديبلوماسي الإماراتي، أجاب بأن "أزمة الشرق الأوسط حلها لم يعد لا في واشنطن ولا في العواصم الأوروبية ولا العواصم الكبرى، إنما أوراقها باتت كلها في يد شخص واحد في إسرائيل وهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو". وأكد أن حكومة اليمين المتطرفة "غير راغبة في انهاء حرب الإبادة على غزة، ولا في إنهاء المهمة في لبنان"، فهي تريد الاستمرار في المعركتين وتستعد الآن لوضع كل امكانياتها لشن هجوم على إيران. ويختم بالقول إن "المنطقة لا تزال بعيدة عن السلام وأظن أننا نقترب أكثر من أي وقت مضى من حرب كبرى ستكون الأسوأ بين حروب نصف القرن الأخير".