تراهن الدول العربية على أن تستخدم المملكة العربية السعودية علاقتها مع دونالد ترامب وثقلها السياسي في المنطقة للعمل كضابط لسياسات الرئيس المنتخب في الشرق الأوسط، وسط مخاوف من أنه سيسعى إلى أجندة مؤيدة بقوة لإسرائيل.
وذكر تقرير لـ"فايننشال تايمز" أنه بعدما عيّن ترامب عدداً من المرشحين المؤيدين بشدة لإسرائيل وعدداً من الصقور تجاه إيران لمناصب رئيسية، يخشى مسؤولون عرب من أن توافق إدارته القادمة على أي تحركات من جانب إسرائيل لضم الضفة الغربية المحتلة أو احتلال غزة أو تصعيد التوترات مع طهران. لكنهم يأملون أن تتمكن الرياض من تخفيف سياسات الإدارة القادمة في المنطقة من خلال الاستفادة من علاقة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع ترامب، ومن شهية الرئيس المنتخب للصفقات المالية ورغبته المتوقعة في عقد "صفقة كبرى" من شأنها أن تقود المملكة العربية السعودية وإسرائيل إلى تطبيع العلاقات.
وقال ديبلوماسي عربي للصحيفة البريطانية نفسها: "اللاعب الرئيسي في المنطقة هو المملكة العربية السعودية بسبب علاقاتها المعروفة معه، لذلك ستكون المحور لأي إجراءات إقليمية قد تقرر الولايات المتحدة القيام بها".
وأشار مسؤول عربي آخر إلى أن الأمير محمد سيكون "مفتاحاً" في التأثير على سياسات ترامب نحو إنهاء حرب إسرائيل ضد "حماس" في غزة وعلى نطاق أوسع بشأن القضايا الفلسطينية، عبر استخدام إمكانية التطبيع مع إسرائيل كرافعة.
وأضاف المسؤول: "يمكن للمملكة العربية السعودية أن تؤثر بشكل كبير على كيفية تعامل ترامب مع غزة وفلسطين". وتابع: "الكثير من الدول في المنطقة تشعر بالقلق بشأن ما سيأتي بعد ذلك".
وتفاخر ترامب بأنه سيتوسط في "الصفقة النهائية" لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكن الخطط التي أشرف عليها صهره جاريد كوشنر قد فشلت حيث نظر الفلسطينيون والدول العربية إلى المقترحات على أنها منحازة جداً لصالح إسرائيل. كما قطع ترامب المساعدات للفلسطينيين وأغلق بعثتهم الدبلوماسية في واشنطن ونقل السفارة الأميركية إلى القدس واعترف بمطالبة إسرائيل بالسيادة على مرتفعات الجولان المحتلة. ومع ذلك، فقد توسط في الاتفاقات الابراهيمية، حيث قامت الإمارات العربية المتحدة وثلاث دول عربية أخرى بتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقال ترامب لقناة "العربية" الشهر الماضي إن العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية خلال رئاسته كانت "رائعة، بحروف كبيرة، ر.ا.ئ.ع.ة". وأضاف: "الكثير من الاحترام للملك، والكثير من الاحترام لـ (الأمير) محمد (بن سلمان) الذي فعل الكثير، إنه حقاً صاحب رؤية".
لكن الأمير بن سلمان أعاد ضبط السياسات الإقليمية للمملكة العربية السعودية منذ تولى الرئيس جو بايدن منصبه. أعادت الرياض العلاقات الدبلوماسية مع إيران سنة 2023 في سياسة انفراج استمرت في اتباعها منذ أن أثار هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 موجة من الصراع في جميع أنحاء المنطقة.
وشددت الرياض انتقاداتها لحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة مع ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين. وفي تشرين الأول، قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن التطبيع مع إسرائيل "غير وارد حتى يتم التوصل إلى حل لإقامة دولة فلسطينية".
واستغل الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي القمة العربية والإسلامية في الرياض لاتهام إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية" في غزة، بينما أدان حربها ضد حزب الله في لبنان وضرباتها ضد إيران.
وفسر الديبلوماسيون والمحللون خطابه على أنه رسالة إلى واشنطن ونتنياهو بأن العالم الإسلامي متحد في إدانته للهجمات العسكرية الإسرائيلية ودعمه لإقامة دولة فلسطينية. ويوم الثلاثاء، نددت الرياض بما وصفته "بالتصريحات الإسرائيلية المتطرفة حول فرض السيادة على الضفة الغربية".
خلال حملته، وعد ترامب بإحلال السلام في الشرق الأوسط وإنهاء الحرب. لكن العديد من مرشحيه مؤيدون بشدة لإسرائيل، من ضمنهم مايك هاكابي، مرشحه لمنصب السفير لدى إسرائيل، وستيفن ويتكوف، موفده للشرق الأوسط.
لكن ترامب قال إنه يريد توسيع الاتفاقات الابراهيمية، وقال للعربية إن "الإطار موجود، وكل ما عليهم فعله هو إعادة تفعيله وهذا سيحدث بسرعة كبيرة".
ستكون المملكة العربية السعودية مهمة لإطلاق العنان لأي توسع للاتفاقات، لكن المسؤولين العرب يعتقدون أن ترامب لن ينجح إلا عبر الضغط على نتنياهو لتقديم تنازلات للفلسطينيين بشأن إقامة دولة فلسطينية، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة.
وقال الديبلوماسي العربي الثاني إن ترامب هو شخص يحب تسليمه صفقات جاهزة يمكن نسب الفضل فيها إلى نفسه. لذلك "إذا سلمه محمد بن سلمان صفقة... إنه احتمال، لكنه قد يكون الاحتمال الوحيد".
وقال الديبلوماسي العربي الأول: "سيحتاج ترامب إلى إنهاء الحرب في غزة، وللقيام بذلك، عليك معالجة (قضية) اليوم التالي". وأضاف: "ما لم تكن هناك دولة فلسطينية، فالتطبيع ليس خياراً".
وقال الديبلوماسي العربي الثاني إن "القضية الوحيدة التي توحد العالم العربي هي القضية الفلسطينية. والسؤال هو إلى أي مدى يمكن للمملكة العربية السعودية الاستثمار في هذا الأمر... وإلى أي مدى سيكون لدى نتنياهو القدرة على نسفه".