تنعكس التوترات في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها الحرب على غزة والعمليات الانتقامية بين إسرائيل وإيران، على آفاق النمو الاقتصادي في منطقة الخليج العربي. لكن تقريراً جديداً يظهر كيف يتمتع الاقتصاد الإماراتي بمرونة كبيرة لتحقيق الازدهار بالرغم من التطورات الجيوسياسية المقلقة.
فقد توقعت "أكسفورد إيكونوميكس" أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.7 في المئة هذه السنة قبل أن يبلغ 5 في المئة السنة المقبلة.
قد ترخي التوترات بسبب الحرب في غزة بثقلها على النمو الإماراتي غير المرتبط بالنفط عبر انخفاض محتمل في السياحة والاستثمار، كما قال كبير علماء الاقتصاد لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "أكسفورد إيكونوميكس" سكوت ليفرمور لصحيفة "ذا ناشونال" الإماراتية.
وقال إنه لو استمرت التوترات في الشرق الأوسط بشكل مضبوط من دون أن تتوسع إلى حرب شاملة فمن غير المرجح أن يكون التأثير على النمو كبيراً في 2025 "وينبغي ألا يفسد الصورة القوية الإيجابية" للإمارات.
ولاحظ أن المخاطر المحيطة بانخفاض عائدات النفط "لا تفرض قيداً مالياً". على الرغم من هذه التحديات، يعتبر ليفرمور التوقعات الاقتصادية لدولة الإمارات العربية المتحدة "قوية ومرنة".
لماذا؟
يرجع هذا إلى جهود التنويع التي تبذلها الدولة بعيداً من الاعتماد على النفط والغاز. قال إميليو بيرا، الرئيس التنفيذي والشريك الأول في شركة "كي بي إم جي لوير غلف" KPMG Lower Gulf: "يتلخص الأمر في التنويع بالاقتصاد الذي تم تحقيقه، ولكن أيضاً في الجاذبية التي كانت واضحة منذ (جائحة) كوفيد ويُنظر إليها (الإمارات) على أنها ملاذ آمن، سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي".
أحد المحركات الاقتصادية الحاسمة هو صناعة السياحة المزدهرة في الإمارات العربية المتحدة بحسب "ذا ناشونال". استقبلت دبي 13.29 مليون زائر دولي من كانون الثاني (يناير) إلى أيلول (سبتمبر) من هذه السنة، بالمقارنة مع 12.4 مليون في نفس الوقت من السنة الماضية، بحسب بيانات من دائرة الاقتصاد والسياحة في دبي. وزار نحو 85 ألف شخص قمة كوب-28 للمناخ التي عقدت في دبي السنة الماضية.
وجهة شهيرة جداً
قال بيرا: "أصبحت دبي... وجهة شعبية جداً للمؤتمرات العالمية والإقليمية، وهذا لا يجذب الناس لحضورها فحسب، بل كان له أيضاً تأثير إيجابي كبير على السياحة".
وقال مكتب دبي للإعلام هذا الشهر إن اقتصاد دبي نما بنسبة 3.3 في المئة في الربع الثاني من هذا العام مدفوعاً بالسياحة والتكنولوجيا.
وفي تأكيد على الأهمية الاقتصادية للسياحة، أعلنت هيئة السياحة في أبو ظبي في نيسان (أبريل) أنها ستستثمر أكثر من 10 مليارات دولار في البنية التحتية كجزء من جهود الدولة للترحيب بالزوار.
ريادة في الذكاء الاصطناعي
من العوامل الرئيسية الأخرى في استراتيجية التنويع في دولة الإمارات العربية المتحدة تبنيها للذكاء الاصطناعي. فقد أبرمت دولة الإمارات العربية المتحدة التي تأمل أن تصبح مركزاً عالمياً للذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات مؤخراً صفقات كبيرة مع كبار اللاعبين في هذا القطاع.
أعلنت شركة الذكاء الاصطناعي G42 ومقرها أبو ظبي عن شراكة مع Nvidia في سبتمبر للمساعدة في تحسين التنبؤ بالطقس العالمي والتي أعقبت شراكة منفصلة أبرمتها G42 مع Earth-2 من Nvidia. في أبريل، أعلنت مايكروسوفت عن استثمار بقيمة 1.5 مليار دولار في G42 للمساعدة في البناء على مبادرات دولة الإمارات العربية المتحدة وكذلك دول أخرى.
وتتوقع شركة "كي بي إم جي" أن يساهم قطاع التكنولوجيا بنسبة 19.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات العربية المتحدة خلال العقد المقبل، ويرجع ذلك جزئياً إلى مبادرات الذكاء الاصطناعي في البلاد.
وقال بيرا في إشارة إلى إدارة البيانات وجودتها: "إن دولة الإمارات العربية المتحدة تتبنى بالتأكيد نهجاً مدروساً أكثر، وتتخذ نهجاً مسؤولاً في تنفيذ الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي في السوق".
تفاؤل
بحسب مسح كي بي إم جي، إن الرؤساء التنفيذيين في الإمارات العربية المتحدة واثقون أيضاً من آفاق نمو شركتهم. ووجد المسح أن 56% من الرؤساء التنفيذيين في الإمارات العربية المتحدة يتوقعون "عائداً كبيراً" على استثماراتهم البيئية والاجتماعية والحوكمة في غضون السنوات الثلاث إلى الخمس المقبلة.
ويرجع هذا التفاؤل إلى بيئة صديقة للأعمال.
يُذكر أن الإمارات العربية المتحدة احتلت مؤخراً المرتبة الخامسة على لائحة "أداة الحيوية العالمية" 2024 Global Vibrancy Tool التي تقيّم 36 دولة عبر 42 مؤشراً خاصاً بالذكاء الاصطناعي. وحققت الإمارات تفوقاً في هذا المجال على قوى عالمية بارزة مثل فرنسا وكوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة.