النهار

أبوظبي: علامة ثقافية عربية فارقة في العالم
غاندي المهتار
المصدر: النهار
أبوظبي: علامة ثقافية عربية فارقة في العالم
اللوفر أبوظبي من الداخل
A+   A-
في أعوام قليلة وبجهد كبير، رسمت العاصمة الإماراتية أبوظبي لنفسها مكاناً مميزاً في خريطة العالم الثقافية، ومكانةً راسخةً فيها، بعدما اكتسبت هوية فكرية – ثقافية مختلفة، فتحولت من مركزاً صغيراً للصيد البحري إلى مركز عالمي لصيد الأفكار الثقافية، ترتفع فيها منارة الابتكار هدىً للمنطقة كلها.

بدأت رحلة أبوظبي إلى قمة الثقافة العربية في منتصف القرن العشرين، مدفوعاً باكتشاف النفط في خمسينياته. فالقيادة الإماراتية بادرت فوراً إلى استثمار العزّ النفطي في مناحي الحياة كلها، وفي مقدمها الثقافة، بتسريع التنمية المعرفية وإطلاق مسيرة التحديث الثقافي، انطلاقاً من تأكيد الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، على صون التراث الثقافي وحفظ الهوية العربية، ما عبّد الطريق إلى مشهد فكري – ثقافي حداثي للإمارة، لم ينقطع يوماً عن أصالة تراثها.

في نظرة أولى، يتجلى التزام أبوظبي التنمية الثقافية في استثمارات ضخمة مرصودة للمؤسسات الثقافية، ويمثل إنشاء متحف "اللوفر أبوظبي" في عام 2017 علامة فارقة، بتكلفة وصلت أخيراً إلأى نحو مليار دولار. ولا يقتصر المتحف، وهو نتاج تعاون إماراتي - فرنسي، على عرض أعمال فنية من العالم، إنما يسلط الضوء أيضاً على الروايات المشتركة للبشرية، ليكون منصةً للحوار والتفاهم، يمنح أبوظبي صفة الجسر الثقافي بين الشرق والغرب. ومقرر أيضاً أن يكون متحف "غوغنهايم أبوظبي"، الذي صممه فرانك غيري، معلماً آخر في المشهد الفني في الإمارة، وهو جزء من خطة ثقافية تتجاوز كلفتها 10 مليارات دولار، مرامها تعزيز دور أبوظبي الثقافي. وعند اكتماله في عام 2025، سيستضيف أعمالاً فنية معاصرة، وسيمثل فضاء عمومياً للمشاركة الفكرية، معززاً النقاش حول الفن الحديث ومكانته في الثقافة العربية. 

هذان المعرضان ركنان أساسيان في برنامج واسع، يشمل تطوير المتاحف وتنظيم الفعاليات الثقافية وإقامة المعارض الفنية المؤقتة، تضع من خلاله دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي إرث أبوظبي الثقافي العريق في إطار عالمي، بهدف تعزيز الحوار بين الثقافات والترويج لأبوظبي بصفتها وجهة ثقافية رائدة. وتتولى الدائرة أيضاً حماية المباني الأثرية ومواقع التراث العالمي والمباني التاريخية والمعالم الثقافية، وحفظها وإدارتها كلها.

وتترسخ علامة أبوظبي الفارقة ثقافياً بتركيز القيادة الإماراتية على التعليم، من خلال إقامة فروع لجامعات مرموقة، فنرى جامعتي نيويورك أبوظبي والسوربون أبوظبي، على سبيل المثال، تساهمان في تفعيل التلاقح الفكري – الثقافي وفي الترويج للتميز الأكاديمي. فالأولى هي أول حرم جامعي شامل للآداب والعلوم الإنسانية في الشرق الأوسط، فيما تستقي الثانية شهرتها من إرث السوربون الفرنسية بوصفها صرحاً تخرج فيه معظم أدباء ومفكري أوروبا.

إلى ذلك، تساهم جامعتا أبوظبي وخليفة أيضاً في تشكيل المشهد الفكري – الثقافي بأبوظبي، من خلال مبادرات بحثية وفكرية تسعى إلى معالجة التحديات الإقليمية والمساهمة في المعرفة العالمية.

وتستضيف أبوظبي مجموعة متنوعة من المنتديات الفكرية والفعاليات الثقافية التي تعزز الحوار وتبادل الأفكار، أبرزها معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي يجذب خيرة المؤلفين والناشرين والقراء من خلفيات متنوعة فيتحول إلى ساحة نقاش بناء في قضايا ثقافية وفكرية واجتماعية ملحة، ومهرجان أبوظبي السينمائي الذي يشجع على التعبير السينمائي والتبادل الثقافي، إلى جانب معهد "مصدر" للعلوم والتكنولوجيا، المجتهد في البحث المستمر لإرساء ثقافة الاستدامة.

تتجذر هوية أبوظبي الفكرية – الثقافية في مبادرات لتعزيز اللغة العربية والتراث الثقافي، مثل نشر ميثاق اللغة العربية، والتشجيع على استخدام العربية في سياقات أكاديمية وثقافية، وتعليمية يرفدها تأثير التكنولوجيا في صورة أبوظبي الفكرية. وتبنت الإمارة أدوات التعلم الرقمي ومنصاته وأنشأت بيئات تعلم تفاعلية، وأدخلت مبادرات تقنية لإثراء تجربة التعلم، وتعزيز تجارب زوار المؤسسات الثقافية وتفعيل المشاركة الفكرية. فها هو متحف اللوفر أبوظبي يستخدم أدلة رقمية وتطبيقات الواقع المعزز لتوفير تجارب غامرة لضيوفه، ويتبنى مهرجان أبوظبي السينمائي منصات رقمية للوصول إلى جمهور أوسع. ولا يقتصر استخدام التقنيات على توسيع نطاق الوصول إلى المحتوى الثقافي فحسب، بل يسهل أيضاً آليات الحوار والتبادل الفكري. 

وبدمج التقانة في الهوية الفكرية، يأتي إطلاق أبوظبي مبادرات "المدينة الذكية" لنشر ثقافة الابتكار والفضول الفكري بين الناس، وجذب المواهب والاستثمارات، وتعزيز مكانة الإمارة رائدةً للفكر والثقافة في المنطقة.

اقرأ في النهار Premium