النهار

الإمارات شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة: ماذا تغيّر؟
المصدر: خاص "النهار"
في لقاء جمع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد بالرئيس الأميركي جو بايدن في واشنطن في 23 أيلول (سبتمبر) 2024، أشاد بن زايد ببداية حقبة جديدة في العلاقات الأميركية – الإماراتية، كما جاءت تصريحات الرئيس بايدن في المؤتمر الصحافي المشترك معبّرة، إذ أكد من جانبه على شراكة استراتيجية طويلة الأمد بين البلدين، واعداً بفتح صفحة جديد في العلاقات الثنائية.
الإمارات شريك دفاعي رئيسي للولايات المتحدة: ماذا تغيّر؟
بايدن يسير مع بن زايد في الرواق الخارجي للبيت الأبيض في واشنطن (ا ف ب)
A+   A-
مايكل نايتس

زميل أقدم في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى 

إنها عملية إعادة ضبط مطلوبة فعلياً، لأن الشراكة بين البلدين تعرّضت لضغوط عدة في نصف العقد الماضي. صحيح أن العلاقات الثنائية الإماراتية – الأميركية جيدة، لكن يمكن أن تكون أفضل. ويدرك الطرفان أن ثمة حاجة إلى التركيز على الإيجابيات وتنحية الخلافات القديمة بشأن كيفية إنهاء الحرب في اليمن، ولا مبالاة الولايات المتحدة بالخليج، واستخدام الإمارات التكنولوجيا الصينية.

 

ومن أكثر نتائج هذه الزيارة لفتاً للنظر اعتراف الولايات المتحدة بالإمارات شريكاً دفاعياً رئيسياً لها، وهي الدولة الثانية التي تحصل على هذا اللقب بعد الهند، التي سبقتها في عام 2016. ووفقًا للبيان الصحافي الأميركي - الإماراتي المشترك، فإن هذا الأمر "يسمح بتعاون غير مسبوق في مجالات التدريب المشترك، والمناورات والتعاون العسكري بين القوات الأميركية والإماراتية والهندية".

 

هذا الارتباط بالهند يذكّرنا بشراكة استراتيجية أخرى تجمع بين هذه الدول الثلاث: الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (India-Middle East-Europe Economic Corridor) الذي أُطلق في عام 2023، ويهدف إلى إنشاء ممر لوجستي وتكنولوجي يربط الخليج العربي بالمتوسط عبر الإمارات. والحديث عن تعزيز "التعاون الدفاعي والأمني في الشرق الأوسط وشرق أفريقيا والمحيط الهندي" دلالة واضحة على طريقة عمل الولايات المتحدة والإمارات والهند معاً لتأمين نقطة مركزية حيوية للممرات البحرية التجارية في العالم.

 

وعلى الرغم من أن النية الاستراتيجية واضحة، يبقى التأثير الفعلي الملموس لكونها "شريكاً دفاعياً رئيسياً للولايات المتحدة" أقل وضوحاً. ففي القانون الأميركي، لا يتمتع هذا المستوى من الشراكة بوضعية معينة أو بحدود واضحة أو بالتزامات محددة، وهو بالتالي مرن حداً. إلى ذلك، على الكونغرس الأميركي أن يقرّ وضعية الشريك الدفاعي الرئيسي بنداً ضمن ميزانية البنتاغون السنوية. ربما فات أوان إدراجه في ميزانية عام 2025 الدفاعية (وهي تمرّ اليوم في مرحلة المفاوضات الأخيرة)، وليس مرجحاً تمرير ميزانية عام 2026 الدفاعية قبل كانون الأول (ديسمبر) 2025.

 

بالنسبة إلى الهند، كان تصنيفها أول شريك دفاعي رئيسي سبيلاً لإعادة ضبط علاقاتها الدفاعية مع الولايات المتحدة، وترقيتها من مستوى منخفض جداً يشوبه غياب الثقة المتبادلة استمر عقوداً في حقبة الحرب الباردة. فقد انتقلت الهند من وضعية حرمانها من التكنولوجيا العسكرية الأميركية والتكنولوجيا المتقدمة إلى وضعية الانضمام لنادٍ حصري من الدول تحصل على التكنولوجيا الأميركية بسهولة أكبر، فصارت الهند (في عام 2018) أحدث دولة تضاف إلى 37 دولة في ما يسمى "العالم الأول"، الذي يضم الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية. وأدى ذلك إلى تعزيز التعاون بين الولايات المتحدة والهند في مجال التكنولوجيا الحساسة، بما فيها أدوات الذكاء الاصطناعي والحوسبة المتقدمة والفيزياء وتطوير أجهزة الاستشعار والمسيّرات ذات الأهمية البالغة للأمن البحري.

 

حالة الإمارات مختلفة تمامًا لأسباب عدة، وهذا الاختلاف قد يشكّل طريقة تأثير صفتها شريكًا دفاعيًا رئيسيًا للولايات المتحدة على العلاقة الثنائية. وكما أشار الرئيس بايدن، قاتلت الإمارات والولايات المتحدة جنباً إلى جنب في نزاعات عدة، في الصومال والبلقان والعراق وأفغانستان وليبيا. وكانت الإمارات دائماً شريكاً فريداً للولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا الدفاعية. فعلى سبيل المثال، ساهمت الإمارات في تمويل تطوير أحدث جيل من الرادارات الأميركية منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت تحتضن أحياناً أنواعاً أكثر تطوراً من الطائرات الأميركية الصنع مقارنةً بالحكومة الأميركية نفسها.

 

في الآونة الأخيرة، تراجعت هذه العلاقة الخاصة إلى حد ما. فخلافاً للهند أو اليابان أو كوريا الجنوبية أو دول حلف شمال الأطلسي، لا تنتمي الإمارات إلى "العالم الأول" بموجب ضوابط قانون التصدير الأميركي. وهذا الأمر صعّب حصولها السريع على أحدث الأنظمة الأميركية، مثل المسيّرات MQ-9 Reaper. كما زاد استخدام الإمارات أنظمة الاتصالات الصينية التي بنتها "هواوي"، وإنشاء قاعدة بحرية صينية في أبو ظبي، تعقيد المحادثات بشأن انخراط الإمارات في تطوير برنامج مقاتلات F-35.

 

تأمل الإمارات في أن يؤدي تصنيفها رسمياً شريكاً دفاعياً رئيسياً للولايات المتحدة إلى إنهاء أعوام من التأخير المُحبط (من وجهة نظر إماراتية لا يمكن تفسيرها) في حصولها على معدات أميركية. ولعل الأوان قد فات بالنسبة إلى برنامج مقاتلات F-35 الذي قد لا تحتاجه الإمارات في أي حال، أو مسيّرات MQ-9 التي أسقطت الدفاعات الجوية الحوثية نحو 12 منها فوق اليمن في العام الماضي وحده. وربما يكون التركيز على هذه الأنظمة العسكرية المعروفة قد عفا عليه الزمن في أي حال. ويمكن القول إن مستقبل التعاون الأمني يرتكز أكثر كثيراً على التكنولوجيا المتقدمة التي يمكنها أن تعزز حقًا قدرة الإمارات التنافسية والدفاعية.

 

كان التحول إلى شريك دفاعي رئيسي رسمي للولايات المتحدة مبادرة من بين 6 مبادرات رئيسية ناقشها الشيخ محمد بن زايد والرئيس جو بايدن، تُظهر رغبة الجانبين في تجاوز خلافاتهما من أجل التطوير المشترك للتكنولوجيا الاستراتيجية. في الحقيقة، هذه الرغبة في التطوير المشترك هي أساس العلاقة الدفاعية بين الولايات المتحدة والإمارات. وفي مثال ملموس على ذلك، عقدت "مايكروسوفت" و"مجموعة 42" (Group 42) الإماراتية شراكة في مجال الذكاء الاصطناعي المتقدم والبنية التحتية الرقمية، لتوفير بديل لأنظمة "هواوي" للجيل الخامس. وهكذا، وجدت الإمارات والولايات المتحدة طريقًا وسطًا يمكّن المستثمرين الغربيين من إنشاء "نظام بيئي تكنولوجي موثوق به" في الإمارات، مستقل عن الصينيين.

 

وكما كانت الحال مع الهند، حيث أثمر تصنيفها شريكاً دفاعياً رئيسياً في مجالات عدة، مثل أمن المعادن الحساسة والحوسبة، فقد لا تقاس العلاقة بين الولايات المتحدة والإمارات بعدد الطائرات المقاتلة التي تباع لأبو ظبي، بل بتطوير التكنولوجيا المدنية والعسكرية. وعلى ما يبدو، أمضى الشيخ محمد بن زايد والرئيس بايدن وقتاً أقل في الحديث عن مبيعات الأسلحة من الوقت الذي أمضياه في الحديث عن الشراكة الأميركية في تطوير البنية التحتية العالمية والاستثمار فيها (US Partnership for Global Infrastructure and Investment) ومبادرة الشراكة الأميركية - الإماراتية لتسريع اعتماد الطاقة النظيفة (US-UAE Partnership for Accelerating Clean Energy).

 

يرسم هذا الأمر الطريق نحو شكل واحد للعلاقات المستقبلية، يتعلق بالأمن الوطني والمرونة الوطنية على نطاق واسع، فلا تقتصر العلاقة بين البلدين على توريد المعدات العسكرية. ويبدو أن الحكومة الأميركية تحاول إجراء إعادة ضبط حقيقية لهذه العلاقة بعد سنوات سادها سوء الفهم. وستشهد السنوات المقبلة محاولة أميركية لحثّ الإمارات على أداء دور في إعادة الاستقرار وإعادة الإعمار في غزة، وربما في لبنان أيضاً. وستتوقع الإمارات دعمًا أميركيًا كي تنال وضعية الشريك الدفاعي الرئيسي في أسرع وقت ممكن، وسيكون مثالياً إدراج هذا البند ولو متأخراً في ميزانية عام 2025 الدفاعية، ورفع العلاقة كي تبلغ مستوى أعلى من الإعفاءات من الرقابة على الصادرات (وضعية التصريح الاستراتيجي للتصدير -1)، إضافة إلى تطوير القطاع النووي الإماراتي لأهداف مدنية. ومتوقع من الإمارات في المقابل أن تعالج الهواجس الأميركية المتصلة بالعلاقة الإماراتية – الصينية في المجال الدفاعي، والقيود الموضوعة على التمركز الأميركي في الإمارات. إن زيارة الشيخ محمد بن زايد الرسمية إلى الولايات المتحدة مثال جيد على التركيز على الإيجابيات، ونقاط التوافق، وعلى مستقبل العلاقات الثنائية. اليوم، الطرفان مطالبان بتقديم التضحيات اللازمة لدفع هذه الشراكة بينهما إلى الأمام.

اقرأ في النهار Premium