هي جزيرة صغيرة جداً وتبلغ مساحتها نحو 20 كيلومتراً مربعاً. بالرغم من صغر حجمها، تُعد من الأهداف البارزة للانتقام الإسرائيلي. على بعد 25 كيلومتراً جنوب الشاطئ الإيراني و483 كيلومتراً شمال غرب مضيق هرمز، تمثل جزيرة خرجْ (أو خارج/خارك) أهم منافذ النفط الإيراني إلى العالم. إذا كانت إسرائيل تفكر في استهداف البنى التحتية النفطية في إيران رداً على توجيه الأخيرة نحو 200 صاروخ باليستي إلى إسرائيل في 1 تشرين الأول (أكتوبر) فقد تكون خرجْ ضمن دائرة الاستهداف الأولى. فالجزيرة هي معبر نحو 90 في المئة من النفط الإيراني الخام إلى العالم.
يقول العقيد المتقاعد من الجيش الأميركي جاك جيكوبز في حديث إلى "سي إن بي سي" الأميركية إن "ما هو فعلاً على الطاولة الآن وبشكل أكثر احتمالاً هجوم على منشآت نفطية".
من جهة، تعد الجزيرة من بين المناطق الأقرب إلى أسراب المقاتلات الإسرائيلية. إن الأهداف التي راحت إسرائيل تقصفها مؤخراً في ميناء الحديدة أبعد من الجزيرة بنحو 300 كيلومتر. لكن المسافة قد تكون من أقل الاعتبارات أهمية في الحسابات الإسرائيلية. لا شك في أن الثقل المالي الذي تمثله خرجْ يجعل الجزيرة هدفاً مغرياً للإسرائيليين. لكنْ للأميركيين رأي آخر على الأغلب.
مخاوف الإدارة
يصعب تصور أن تقبل إدارة الرئيس جو بايدن قيام إسرائيل باستهداف كهذا، على أبواب الانتخابات الرئاسية. يقول رئيس "رابيدان إنرجي" بوب ماكنالي إنه إذا تم إلغاء 1.8 مليون برميل نفط إيراني من السوق فمن المرجح أن تقفز الأسعار بنحو 5 دولارات للبرميل، بحسب "سي أن بي سي". عانت الإدارة كثيراً في لجم نسبة التضخم الداخلي، وهي لا ترغب بالعودة في هذا الوقت أشهراً وسنوات إلى الوراء بسبب ضربة كهذه.
سبق أن قفزت أسعار خام برنت نحو 5 دولارات بعد الضربة الصاروخية الإيرانية على إسرائيل. وإلى الآن، ما يمنع قفزة أعلى في الأسواق هو ضعف الطلب في الصين. لكن إذا ضُربت خرجْ فستضطر الصين إلى البحث عن بدائل مما يدفع الأسعار صعوداً بحسب تقرير في "نيويورك تايمز". بالمقابل، ذكرت "رويترز" أن مجموعة "أوبك+" قادرة على التعويض عن صدمة غياب النفط الإيراني.
في جميع الأحوال، قد لا ترضى إدارة بايدن بضربة كهذه. لا يزال مسؤولو الإدارة، ويُفترض أن ينتقل قسم كبير منهم إلى إدارة كامالا هاريس إذا فازت بالانتخابات، مصرين على ترك الأبواب مفتوحة أمام إيران للعودة إلى الاتفاق النووي. قد يكون قصف الجزيرة بمثابة قصف لطريق العودة هذه.
شد حبال
ربما دخل الحليفان مرحلة شد حبال في الوقت الحالي. إذا كانت إسرائيل لا تريد، أو شبه عاجزة بمفردها عن قصف منشآت نووية، وإذا كانت خرجْ ممنوعة أميركياً من القصف، فقد لا يتبقى الكثير لدى إسرائيل لاستهدافه. بإمكان إسرائيل استهداف منشآت نفطية في ثلاث مناطق أخرى مثل محافظة هرمزغان بالقرب من مضيق هرمز، وعبدان (آبدان) على ضفاف شط العرب، وماهشهر (معشور) في خوزستان. بحسب مجلة "فوربس"، سيكون استهداف المنشآت النفطية هناك أقرب إلى ضربة رمزية.
لكن تل أبيب لا تريد الانتقام من إيران وحسب، خصوصاً بطريقة رمزية، بل تريد استعادة الردع كهدف أول. ذكرت "فايننشال تايمز" مؤخراً أن الغرب يحاول إقناع إسرائيل بالاكتفاء بضرب منصات إطلاق الصواريخ أو قواعد عسكرية للحرس الثوري بما أن الاستهداف يعد متماثلاً وذا احتمالات أقل للتسبب بحرب إقليمية. بالنظر إلى التهديدات الكبيرة التي أطلقها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من المستبعد أن تقتنع إسرائيل برد متماثل. ولن تكون العقدة في نظرة نتانياهو وحسب. أطلقت المعارضة تصريحات أكثر تشدداً من رئيس الوزراء الإسرائيلي مما أدخل السياسات الإسرائيلية في ما يشبه حلقة مزايدات عسكرية.
حسابات أخرى
يرتبط أفق استهداف خرجْ بما تخطط له إسرائيل لا على المدى القريب وحسب. هي قد لا تفكر فقط في انتقام رادع من إيران، بل ربما تضع في الاعتبار أيضاً قطع التمويل عن كامل أذرع إيران في المنطقة. بهذا المعنى، ربما تهدف إسرائيل إلى إضعاف "حزام النار" الذي يحيط بها، عبر خنق الموارد المالية التي ترسلها إيران إلى حلفائها الإقليميين. في نهاية المطاف، مثّل تصدير النفط سنة 2023 نحو 83 في المئة من مصدر الدخل القومي الإيراني. ربما تضرب تل أبيب عصفورين بحجر واحد عبر استهداف كهذا: استعادة الردع، وخفض عمليات الاستهداف التي تطالها من جبهات متعددة في المنطقة، بخاصة على المدى الطويل.
حذرت إيران في السابق من أن منعها من تصدير نفطها إلى العالم سيعني أيضاً منع خروج النفط من مضيق هرمز. سيتطلب ذلك جهداً أميركياً إضافياً لحماية الملاحة والمنشآت النفطية في المنطقة. لكن الإدارة الحالية شديدة الحذر من استخدام أصولها العسكرية مخافة التورط في صراع واسع. إن نظرة خاطفة إلى طريقة تعامل بايدن مع تهديد الحوثيين لأمن الملاحة في البحر الأحمر تؤكد الحذر الأميركي.
محاذير أخرى
تقول إسرائيل إن حربها هي مع الحكم الإيراني لا مع الشعب الإيراني. واستهداف المصدر الأول للموارد الإيرانية لا يترجِم بدقة الرسالة الإسرائيلية المفترضة. حتى استهداف المنشآت النفطية في عبدان سيؤثر بالدرجة الأولى على الداخل الإيراني. بالفعل، وقبل نحو شهرين، حذّر هيلل فريش في صحيفة "جيروزاليم بوست" إسرائيل من إيذاء الشعب الإيراني داعياً إلى التركيز فقط على أهداف رسمية. كان فريش حينها يناقش احتمالات رد إسرائيل على الانتقام المنتظر لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية.
باختصار، قد يبدو استهداف جزيرة خرج جذاباً للإسرائيليين للوهلة الأولى، لكن الحسابات الباردة يمكن أن تقيد هذه النزعة. وحدها الأيام وربما الساعات المقبلة كفيلة بإظهار برودة الحسابات من عدمها.