أعلنت اذاعة الجيش الإسرائيلي، اليوم، مقتل يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، بعد عملية في قطاع غزة قال الجيش إنها استهدفت ثلاثة مسلحين.
من هو السنوار؟
ولد السنوار في مخيم خان يونس للاجئين الفلسطينيين في جنوب قطاع غزة وانضم لحركة "حماس" التي أسسها الشيخ أحمد ياسين قبل الانتفاضة الفلسطينية الأولى في العام 1987.
وتلقى السنوار تعليمه في مدارس مخيم خان يونس حتى أنهى دراسته الثانوية، ليلتحق بالجامعة الإسلامية في غزة لإكمال تعليمه الجامعي، ويحصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية.
وفي عام 1982 أُلقي القبض على السنوار ووضع رهن الاعتقال الإداري لمدة أربعة أشهر بتهمة الانخراط في "أنشطة تخريبية".
وأنشأ السنوار الجهاز الأمني للحركة في العام 1988، المسؤول عن ملاحقة المتهمين بالتجسس لصالح إسرائيل ومعاقبتهم وأحيانا إعدامهم.
وفي عام 1988، قضت محكمة إسرائيلية على السنوار بالسجن مدى الحياة أربع مرّات (مدة 426 عاما)، أمضى منها 24 عاما في السجن.
وتعلم اللغة العبرية التي يتحدثها بمستوى جيد خلال 23 عاما قضاها في السجون الإسرائيلية. ويقال إن لديه فهما عميقا للثقافة والمجتمع الإسرائيليين.
واستفاد السنوار من معرفته بالسجون الإسرائيلية، التي حصل عليها خلال السنوات الطويلة التي قضاها في زواياها، مما أعطاه نفوذا بين القيادات العسكرية في "حماس".
حكم على السنوار بالسجن المؤبد أربع مرات لقتله جنديين إسرائيليين. وكان من بين 1027 فلسطينيا أطلق سراحهم في صفقة أبرمت في العام 2011 مقابل إطلاق سراح الجندي الفرنسي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
وعلى الصعيد السياسي في" حماس"، في عام 2017، انتُخب السنوار رئيسا للمكتب السياسي للحركة في قطاع غزة.
وفي العام نفسه، لعب السنوار دورا دبلوماسيا رئيسيا في محاولة إصلاح العلاقات بين السلطة الفلسطينية بقيادة حركة "فتح" في الضفة من جهة، وحركة "حماس" في غزة من جهة أخرى، ولكن لم يُكتب لهذه المحاولة النجاح.
كما عمل السنوار في مجال إعادة تقييم لعلاقات "حماس" الخارجية، بما في ذلك تحسين العلاقات مع مصر.
وفي سبتمبر (أيلول) 2015، أدرجت الخارجية الأميركية السنوار على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين".
يعتبر الضابط السابق بجهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) ميخا كوبي أحد أكثر الإسرائيليين معرفة بالسنوار، ذلك أنه استجوب الأخير لأكثر من 150 ساعة في أثناء اعتقاله في نهايات الثمانينيات وبدايات التسعينيات، وفقا لـ"واشنطن بوست".
وفي تقييم استخباراتي إسرائيلي وُصف السنوار بأنه "قاس، ومتسلط، ومؤثر". ووصف كوبي السنوار بأنه "صارم" وخال من المشاعر ولكنه "ليس سيكوباتيا".
وأعلنت حركة "حماس" في آب (أغسطس) تعيين يحيى السنوار رئيسا لمكتبها السياسي خلفا لإسماعيل هنية التي قتل في ضربة إسرائيلية بطهران في 31 تموز (يوليو) 2024.
وراى كوبي في مقابلة مع "فاينانشال تايمز" أن السنوار "لن يستسلم، وسيموت هناك في غزة".
تعهد بتدمير إسرائيل
ويقول أشخاص على اتصال بيحيى السنوار إنه غير نادم على هجمات السابع من تشرين الأول، على الرغم من أنها أشعلت فتيل حملة عسكرية إسرائيلية أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين وتحويل غزة إلى أنقاض، ووجهت ضربات قاصمة لحليفه "حزب الله".
وقال أربعة مسؤولين فلسطينيين ومصدران من حكومات في الشرق الأوسط في الأسابيع التي سبقت مرور عام على اندلاع الحرب في غزة، إن السنوار لا يرى إلا الكفاح المسلح سبيلا لفرض قيام دولة فلسطينية.
وقال حسن حسن، المؤلف والباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إن السنوار جر إيران و"محور المقاومة" بأكمله -الذي يضم "حزب الله" والحوثيين في اليمن وجماعات مسلحة عراقية- إلى صراع مع إسرائيل.
وأضاف حسن: "ما نشهده الآن هو تبعات السابع من أكتوبر. مقامرة السنوار لم تنجح"، مشيرا إلى أن محور المقاومة قد لا يتعافى أبدا.
لكن قبضة السنوار على حماس ظلت محكمة، على الرغم من بعض العلامات على المعارضة بين سكان غزة.
ويعمل السنوار الذي أطلقت عليه إسرائيل وصف "وجه الشر"، في الخفاء، ويغير أماكنه باستمرار ويستخدم رسلا موثوقا بهم في الاتصالات غير الرقمية، وفقا لثلاثة مسؤولين من "حماس" ومسؤول إقليمي. ولم يظهر السنوار علانية منذ السابع من تشرين الأول.
وعلى مدى أشهر من المحادثات التي لم يحالفها النجاح لوقف إطلاق النار بقيادة قطر ومصر والتي ركزت على مبادلة سجناء فلسطينيين بالرهائن الإسرائيليين، كان السنوار هو صانع القرار الوحيد، حسبما ذكرت ثلاثة مصادر من "حماس". وكان المفاوضون ينتظرون أياما للحصول على ردود تمر عبر سلسلة سرية من الرسل.
وقال ستة أشخاص يعرفون السنوار لرويترز إن عزيمته تشكلت بفعل سنوات طفولة فقيرة قضاها في مخيمات اللاجئين بغزة و22 عاما في سجون إسرائيل، من بينها فترة قضاها في عسقلان، المدينة التي يصفها والداه بأنها موطنهما الذي فرا منه بعد حرب 1948.
وأجمعت كل المصادر -الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم كي يتحدثوا بحرية عن الأمور الحساسة- أن مسألة مبادلة السجناء بالرهائن مسألة شخصية جدا للسنوار. فقد قطع على نفسه عهدا بإطلاق سراح جميع المحتجزين الفلسطينيين في إسرائيل.
وقال مسؤول كبير في حماس طلب عدم الكشف عن هويته إن قوة العقيدة والإصرار على الهدف هما الأساس في تكوين عزيمته وإنه متقشف وزاهد يرضى بالقليل.
قبل الحرب، كان السنوار يحكي أحيانا عن حياته المبكرة في غزة خلال عقود من الاحتلال الإسرائيلي، وقال ذات مرة إن والدته كانت تحيك الملابس من الجوالق، وهي الأجولة المتبقية بعد تفريغ المساعدات الغذائية التي تقدمها الأمم المتحدة، بحسب ما ذكره وسام إبراهيم، وهو أحد سكان غزة ممن التقوا بالسنوار.
وفي رواية كتبها في السجن فيما يشبه السيرة الذاتية، وصف السنوار مشاهد للقوات الإسرائيلية وهي تدمر المنازل الفلسطينية كوحش يسحق عظام فريسته، قبل انسحاب إسرائيل من غزة في عام 2005.
واكتسب شهرة كبيرة كزعيم في السجن. وبرز كبطل شعبي بعد أن قضى 22 عاما في السجون الإسرائيلية لاتهامه بالتخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وأربعة فلسطينيين.
ثم ارتقى سريعا إلى قمة صفوف قيادة "حماس".
وقال أربعة صحفيين وثلاثة مسؤولين من "حماس" إن تفهمه للصعوبات اليومية والواقع المضني في غزة أكسبه شعبية لدى سكان القطاع وجعل الناس يشعرون بالارتياح، على الرغم من سمعته كشخص مهيب الجانب وغضبه القابل للانفجار.
ويعتبر مسؤولون عرب وفلسطينيون أن السنوار هو مهندس استراتيجية "حماس" وقدراتها العسكرية التي تعززت عبر علاقاته القوية مع إيران التي زارها في عام 2012.
وقبل إشرافه على تنفيذ هجوم السابع من تشرين الأول، لم يخف السنوار رغبته في ضرب عدوه بقوة.
ففي خطاب ألقاه في العام السابق للهجوم، تعهد السنوار بإرسال طوفان من المقاتلين والصواريخ إلى إسرائيل، ملمحا إلى حرب قد توحد العالم لإقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، أو تترك إسرائيل معزولة على الساحة العالمية.
ووقت إلقاء الخطاب، كان السنوار والضيف قد أعدا بالفعل خططا سرية للهجوم. بل كانا يجريان تدريبات علنية تحاكي مثل هذا الهجوم.
لكن أهدافه لم تتحقق. صحيح أن القضية عادت إلى صدارة قائمة الأولويات العالمية، لكن احتمالات إقامة دولة فلسطينية أصبحت بعيدة المنال كما كانت دوما. ويرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بصورة قطعية أي خطة لغزة بعد الحرب تتضمن جدولا زمنيا محددا لإقامة دولة فلسطينية.
وقال نبيه عوادة، وهو ناشط شيوعي لبناني سابق سُجن مع السنوار في عسقلان بين عامي 1991 و1995، إن زعيم "حماس" "كان يعتبر معاهدة أوسلو هي دمار"، في إشارة لاتفاقات السلام عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وأنها خديعة من إسرائيل التي قال إنها لن تتخلى عن الأراضي الفلسطينية إلا بالقوة، وليس عن طريق المفاوضات.
وأوضح عوادة "كان يقول إن المواجهات هي إللي ممكن تحقق إنجازات وهو أعند من نتنياهو. ورأسه مثل الحجر".
ووصف عوادة السنوار بأنه صلب العقيدة وقوي العزيمة. وقال إن وجه زعيم "حماس" كان يتلألأ فرحا كلما سمع عن هجمات ضد الإسرائيليين من "حماس" أو "حزب الله"، فبالنسبة للسنوار "الطريق الوحيد لتحرير فلسطين هو طريق المقاومة".
وأضاف عوادة أن السنوار كان "كتير ديناميكي وكاريزماتي" وكان له تأثير على كل الأسرى حتى على الذين لم يكونوا إسلاميين أو متدينين.
وقال كوبي إنه كان يتمتع بحضور واضح بسبب قدرته على الترهيب والقيادة.
وسأل كوبي ذات مرة السنوار الذي كان يبلغ من العمر حينذاك 28 أو 29 عاما، لماذا لم يتزوج. وقال كوبي إن السنوار "قال لي إن حماس هي زوجتي، وحماس هي ولدي. وحماس بالنسبة لي هي كل شيء". وتزوج السنوار بعد إطلاق سراحه من السجن في 2011 وأنجب ثلاثة أطفال.
وقال عوادة إنه واصل في السجن مهمة ملاحقة الجواسيس الفلسطينيين، وهو ما يتطابق مع تقارير محققي جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت).
وقال عوادة إن ذهنه المتقد وتوخيه لأقصى درجات الحذر مكناه من كشف عملاء الشين بيت المندسين في السجن.
وأضاف أن قيادة السنوار لعبت دورا محوريا في إضراب عن الطعام عام 1992 تزعم فيه أكثر من 1000 سجين للعيش على الماء والملح فقط. وتفاوض السنوار مع سلطات السجن ورفض التسوية مقابل تنازلات جزئية.