دمشق - "النهار"
من غير المتوقَّع أن يكون رد فعل القيادة السورية على مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" يحيى السنوار مشابهاً أو قريباً من رد الفعل الذي أبدته إزاء اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى عدم نضوج العلاقة بين دمشق و"حماس" رغم المصالحة التي تمت بينهما منذ عامين، وتحديداً في 19 تشرين الأول (أكتوبر) عام 2022 عندما زار وفد فلسطيني من ضمنه نائب السنوار خليل الحية العاصمة السورية والتقى الرئيس بشار الأسد.
ويُحسب للسنوار على الصعيد الرسمي أنه كان من أشد المتحمسين في "حماس" لإعادة العلاقات مع دمشق، ولعب دوراً بارزاً في هندسة إصلاح هذه العلاقات بالتنسيق مع نصرالله، بل إنه غامر في لحظة ما برصيده الشعبي عندما عمل على إعطاء صورة مغايرة لصورة سلفه خالد مشعل الذي حمل عام 2012 علم الثورة السورية معلناً دعمه لها، فقد خرج السنوار في مهرجان شعبي عام 2022 وأكد أن "سوريا الأسد" ركن أساسي من أركان محور المقاومة وتلعب دوراً على صعيد التحشيد والدعم. وكان استخدام هذا التوصيف "سوريا الأسد" بمثابة نعي من زعيم حركة "حماس" في غزة لجناح خالد مشعل ورهاناته الخاسرة على "الربيع العربي".
ورغم أن زيارة الحية العاصمة السورية لم تنجح عملياً في إذابة كل الجليد الذي تراكم بين الطرفين، وهو ما تبدى عملياً في عدم انعكاس المصالحة على العلاقة الرسمية بينهما، إذ ظل مكتب "حماس" في لبنان يتولى تمثيل الحركة في دمشق، ساهمت استعادة الحد الأدنى من العلاقة مع دمشق في دفع السنوار إلى المضي قدماً في وضع خطته لعملية "طوفان الأقصى" التي كان يدرك بعقله العسكري والأمني أن نافذة دمشق المشرفة على إيران كانت ضرورية لتمكينه من الحصول على كل الدعم المسبق الذي كانت الخطة تستلزم الحصول عليه قبل بدء تنفيذها.
وليست هناك أدلة واضحة إلى أن دمشق استأنفت بعد المصالحة تقديم الدعم العسكري لحركة "حماس"، ولكن من المؤكد أن المصالحة لبّت شرطاً إيرانياً للعودة إلى تكثيف الدعم للحركة بعد أعوام من تخصيص الجزء الأكبر من دعمها لحركة "الجهاد الإسلامي" بسبب موقف "حماس" من النظام السوري. ومع ذلك يبقى الشق العسكري في العلاقة الرابطة بين أطراف محور المقاومة محاطاً بكثير من الغموض، ما يؤدي إلى التباس واضح في فهم حدود العلاقة ومدى تعافيها بين هذا الطرف أو ذاك. وما يعزز هذه الفكرة أنه منذ دعم خالد مشعل الثورة السورية، تحدثت تقارير عديدة عن تبني الجناح العسكري للحركة وجهة نظر مخالفة.
لذلك، فإن رفض دمشق إعادة افتتاح مكاتب الحركة فيها، أو تعيين ممثل سياسي للحركة في سوريا، لا يعكس بالضرورة طبيعة العلاقة مع الجناح العسكري، وليست هناك معلومات كافية عن هذه العلاقة وتفاصيلها من حيث الدعم والتنسيق قبل المصالحة، وكيف أثرت المصالحة عليها لاحقاً. ولا يتعلق غموض هذه العلاقة بما تفرضه العلاقات العسكرية من سرية وتكتم فحسب، بل لأن القيادة السورية كانت تدرك أن المزاج الشعبي للموالين لم يكن مستعداً لسماع ما يشير إلى تحسن العلاقة مع "حماس"، وكذلك أيضاً لأن الدول العربية التي كانت دمشق تراهن على تطبيع علاقاتها معها لم تكن لتعتبر استئناف الدعم العسكري لـ"حماس" إشارة جيدة.
لذلك، كان من المستغرب بالنسبة إلى معظم المراقبين السوريين أن تعلن تل أبيب في أواخر أيلول (سبتمبر) اغتيال من وصفته بـ"قائد حماس في جنوب سوريا"، وجاء في بيان الجيش الإسرائيلي أن "طائرات حربية لسلاح الجو هاجمت الليلة الماضية (28 سبتمبر) بتوجيه استخباري لهيئة الاستخبارات والقيادة الشمالية وقضت على المدعو أحمد محمد فهد، قائد الشبكة الإرهابية التابعة لحماس في منطقة جنوب سوريا". وهذا الإعلان الإسرائيلي يكشف، ليس فقط عن عودة التعاون العسكري بين "حماس" ودمشق، بل أيضاً عن سماح الثانية للأولى بالنشاط في منطقة شديدة الحساسية تشمل كلاً من محافظتي درعا والقنيطرة المحاذيتين للجولان السوري الذي تحتله إسرائيل.
وفي مطلع العام الجاري، أعلن الجيش الإسرائيلي كذلك اغتيال مسؤول في "حماس" يدعى حسن عكاشة في محافظة ريف دمشق، متهماً إياه بأنه كان وراء إطلاق الصواريخ من الأراضي السورية باتجاه إسرائيل.
وكانت إسرائيل قد اغتالت قبل عام علي عكاشة، شقيق حسن، بواسطة طائرة مسيرة في بلدة بيت جن في ريف دمشق، ولكن الشقيق كان معروفاً عنه أنه كان يعمل لمصلحة "حركة الجهاد الإسلامي".
ولم يصدر عن دمشق أي تعليق على مقتل قادة أو نشطاء من حركتي "حماس" و"الجهاد" فوق أراضيها، وهو ما جعل السردية تقوم على رواية طرف واحد هو الإعلام الإسرائيلي.
ولكن ثمة نقطة في غاية الأهمية وهي أن عدداً من قادة فصائل ما كان يسمى "الجيش الحر" في درعا كانوا إما أعضاء في "حماس" أو مدعومين منها، وقد عاد هؤلاء بعد التسوية في عام 2018 للتنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية، ولعلهم بعد مصالحة "حماس" مع دمشق شكلوا قناة من قنوات التواصل بين الجانبين في ما يخص القضايا العسكرية.
وثمة احتمال آخر، وهو أن يكون "حزب الله"، بالتعاون مع حركة "الجهاد"، شكلا غطاءً لقادة "حماس" وعناصرها يتيح لهم النشاط في بعض المناطق السورية من دون تنسيق مباشر مع السلطات السورية.
وخلافاً لردود الفعل على اغتيال نصرالله، الذي قوبل في أوساط المعارضة السورية بمظاهر الفرح والابتهاج، فإن الموقف من مقتل السنوار كان مختلفاً تماماً، حتى أن العديد من جهات المعارضة السورية وقادة الفصائل أصدروا بيانات تعزية بالأخير معتبرين إياه بطلاً من أبطال الأمة، ومن أهم هؤلاء "المجلس الإسلامي السوري"، وحركة "أحرار الشام" الإسلامية التي كانت من أكثر الفصائل السورية استفادة من دعم "حماس" في السابق.
ويبدو أن اغتيال السنوار سيشكل نقطة تلاقٍ غير مباشرة بين دمشق والفصائل التي تقاتلها، إذ من المتوقع كذلك أن يصدر عن العاصمة السورية بيان تعزية بالسنوار. غير أن تأثير غياب الأخير على العلاقة الملتبسة والغامضة التي جمعت الطرفين منذ المصالحة سيبقى مرتهناً لعوامل عدة، أبرزها من سيكون خليفة السنوار ومن أي جناح هو؟ وكذلك مصير معركة "طوفان الأقصى" وما جرّته من حرب في لبنان، وقد تكون بلدان أخرى مرشحة للانخراط فيها، وبخاصة سوريا، الأمر الذي يجعل تفكير دمشق بالعلاقة مع أطراف محور المقاومة شديد التعقيد والحساسية، ولعله يكون الشعرة التي سوف تحسم مصيرها أيضاً.