النهار

لبنان – فلسطين إكسبريس: عندما كانت بيروت تستورد البطّيخ من طولكرم
فلسطين- مرال قطينة
المصدر: النهار
لبنان – فلسطين إكسبريس: عندما كانت بيروت تستورد البطّيخ من طولكرم
A+   A-
من أجمل الأمور التي قد تحدث لك، أن تمتلك أرشيف صور للعائلة، برغم شح صور الجيل الأول للنكبة، بعدما فقد الفلسطينيون بيوتهم وممتلكاتهم الشخصية خلال رحلة النزوح واللجوء.

أقل ما يمكن أن نصف به العلاقة بين البلدين هو أنها تبادلية تكاملية، علاقة الروح بالروح، مصاهرة وعمل ونضال مشترك، وأخوة الدم والمصير كما يصفها فلسطينيو الجليل حتى يومنا هذا.


لطالما كانت فلسطين الامتداد الطبيعي للبنان عبر سلسلة جبال لبنان الغربية حتى جبل عامل، والتي كلما اتجهت جنوباً انخفضت وشكلت وحدة جغرافية متكاملة، حتى أنها شكلت وحدة إدارية خلال الحكم العثماني عرفت بـ"سنجق صفد"، وهي الأراضي الواقعة بين نهر الزهراني شمالاً وجبل الكرمل جنوباً، وبين الجليل شرقاً والبحر المتوسط غرباً.

تتشارك تلك المنطقة الثقافة الاجتماعية والفنية ذاتها بمختلف أطيافها، مع الحفاظ على خصوصية كل منها، وتتقارب اللهجات رغم أن اللهجة الفلسطينية هي الأكثر تعقيداً والأشد لفظاً.

 

بين بيروت وحيفا

كان لبيروت، لؤلؤة الشرق، الأثر الكبير على التكوين الاجتماعي والثقافي والاقتصادي لعروس الكرمل حيفا، كما كان للعلاقة الحميمة المتبادلة بين البلدين أثر على مناحي الحياة المختلفة، التعليمية والاقتصادية والسياحية والثقافية وعالم الموضة والأزياء. كان الناس يتنقلون من دون جوازات سفر وكأنهم يتنقلون بين قرية وأخرى، وكان لقوة الجنيه الفلسطيني بعدٌ اقتصادي على سوق العمل واتساع رقعته الجغرافية، وتأثيره على التبادل التجاري. 

وبحسب المؤرخ اللبناني الدكتور مصطفى بزي "بلغ عدد أبناء بنت جبيل وحدها في فلسطين قبل النكبة ما بين ألف وألفي نسمة، عاشوا في قرى وبلدات فارا، صلحا، الرأس الأحمر، الجاعونة، الدير، سخنين، الجش، الصفصاف، الرامة، حيفا، يافا، عكا ومرج ابن عامر، معظمهم من عائلات بزي، بيضون، سعد وعجاج".

 كذلك لم تنس جريدة "فلسطين" في أي وقت من العام التذكير بأهمية الاصطياف وتشجيع السياحة في لبنان. مئات المواد نشرتها الصحيفة عن ذلك العصر الذهبي "عصر النهضة" والتطور الاجتماعي الذي سبق تدمير البلاد وتشتيت الفلسطينيين في كل بقاع المعمورة.

ديار كانت قديماً دياراً

أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة النجاح الدكتور أمين أبو بكر، قال لـ"النهار" إنّ السفر بين فلسطين ولبنان لم ينقطع يوماً، براً وبحراً وجواً، وبكل الوسائل، حتى خلال الأزمات الكبرى مثل ثورة 1936، كما أن "العلاقة مع لبنان أخذت أبعاداً اجتماعية أكبر على وجه الخصوص، إذ تزوج فلسطينيون من لبنانيات من كل الطوائف والمستويات الاجتماعية من دون تمييز. وحملت كل منهن صفة منطقتها مثل الهوارية، نسبة إلى الهوارة، القرية ناسبت القرية وعلينا أن نعود إلى السجلات التي وثقت عدد اللبنانيين الذين سكنوا حيفا من كل المناطق اللبنانية والعائلات: كرامي - ميقاتي - بيضون - خوري - تويني ـ فرح - سرسق وغيرها، وأعداد الفلسطينيين الذين سكنوا في لبنان، في بيروت وصيدا وغيرهما من المدن، إضافة إلى القرى الحدودية، بخاصة خلال التقسيم الإداري العثماني والبريطاني الفرنسي".

وأشار أبو بكر إلى النهضة التي شهدتها حيفا، المدينة الناشئة التي استقطبت عائلات لبنانية بأكملها للاستثمار فيها، وجذبت الناس لبناء الأسواق والمراكز بينما بيروت هي المدينة الأقدم، إضافة إلى المنافسة التي شهدتها المدينتان عبر ميناءيهما. كما درس فلسطينيون في الكلية البروتستانتية السورية في بيروت التي تحوّلت في ما بعد إلى الجامعة الأميركيّة.

وبالطبع كان هناك حضور لبناني في مدينة عكا، يضيف أبو بكر، لكنه تراجع مع بروز مدينة حيفا التي أصبحت مدينة حديثة تواكب التطور والعصر، وتضاهي المدن الصناعية في أوروبا، كما كان للقارب البخاري" البابور" دور في تقريب المسافة وسرعة تنقل الناس وسهولته بين حيفا وبيروت والذي كان يشبه "السرفيس" - الخطوط السريعة الإكسبريس اليوم.

وذكّر أبو بكر بأنه عندما وصلت الحداثة في ذلك الوقت إلى الشرق عبر برقيات التليكس والتلغراف، كانت هناك آلاف البرقيات من لبنان إلى فلسطين تطلب البطيخ من جنين أو طولكرم على سبيل المثال لأن سعره كان مرتفعاً في السوق اللبنانية، ثم تطورت العلاقة تطوراً أوسع بعد دخول البنوك إلى الأسواق ووصول الهاتف.

اقرأ في النهار Premium