تنشغل سوريا هذه الأيام بواحدة من أوسع عمليات التزوير في نتائج الامتحانات بعد صدور النتائج النهائية لامتحانات الثانوية وثبوت تورّط موظّفين في وزارة التربية مع شبكة غشّ لمصلحة أبناء متنفّذين ومسؤولين.
واستدعى الأمر عقد اجتماعات على مستويات وزارية عليا اتُخذت فيها قرارات صارمة بحرمان الطلاب المتورّطين من الشهادة أو التقدّم إليها لعامين مقبلين، وإلقاء القبض على المتعاونين في الوزارة وخارجها عبر الجهات التنفيذية.
الملامح المبكرة
بدأت ملامح القصّة المبكرة تنكشف عندما تمّ الاشتباه بأن علامات إحدى طالبات المرحلة الثانوية غير سليمة أو دقيقة، ما دعا إلى الشكّ في أنه تمّ التلاعب بها أو أن هناك غشّاً قد يبدو منظّماً، لتتبيّن صحة العلامة، لكن الشكّ لم ينتهِ في وجود خلل ما، فتمّ طلب أوراق الامتحانات الكاملة للطالبة مع القسائم الخاصة بكلّ مادة تعود لها.
ويشرح الوزير محمد عامر المارديني، في حديث صحافي، أن البرنامج المحوسب لعمليات النتائج يتضمن فعلاً نظام إدخال دقيق لعلامات كل قسيمة، ويتمّ الأمر عبر موظفتين على حاسبين متباينين ومختلفين، وأن إدخال العلامة لكلّ قسيمة في أحد الحاسوبين يختلف عن الآخر تماماً من حيث الصورة الآلية المبرمجة، ما سيؤدّي في نهاية المطاف إلى إنذار من البرنامج يشير إلى وجود خطأ غير متطابق في عمليات الإدخال، إن لحظ أحد الحاسوبين اختلافاً.
لكن "تبيّن خلال عملية التدقيق والمتابعة وجود موظفتين كان بينهما اتفاق مسبق على إدخال العلامات المزوّرة نفسها إلى الحاسوبين... ومع العودة إلى الدورة الامتحانية الأولى للطالبة نفسها في العام ذاته مع طلاب آخرين، مستهدفين الحاسوبين ذاتيهما وكذلك الموظفتين ، تمّ الكشف عن تلاعب طال علامات عشرات الطلاب والطالبات"، أضاف الوزير.
التوسّع في التحقيق جنائياً
وبيّن الوزير المارديني أنّ المادة 42 الناظمة للعملية الامتحانية في هذه الحالة تضمنت مخالفة واضحة، ما استدعى إحالة الأمر مباشرة إلى الأمن الجنائي ليباشر تحقيقاته فوراً، كونه المعني المباشر بالقضية والتحقيق في الأفعال المرتكبة من قبل الموظفتين، خصوصاً بعد محاولة إحداهما خلال الساعات الأولى من افتضاح القصة الهرب خارج البلد، لكن تمّ القبض عليها، واعترفت ضدّ زميلتها مباشرةً، وبأنّهما فعلتا ذلك بقصد الحصول على الأموال عن طريق سمسار لم تتمكّن الجهات المسؤولة من إلقاء القبض عليه حتى الآن.
متورّطون آخرون
وكشفت المعلومات، أن من بين المتورطين أيضاً سائق سيارة مبيت تتبع لوزارة التربية، ومهمتها نقل الموظفين إلى عملهم، واستمرّت الموظفة بالاعتراف بأسماء المشتركين معها بالجرم ليطال الأمر موظفاً آخر في التربية، وهو متقاعد كان يتولّى مهمّة جلب أسماء الطلاب الذين يريدون تغيير علاماتهم والحصول على النجاح، والتفوّق ربما.
"النهار" علمت من مصادر خاصة، أن إحدى الموظفتين قبضت لقاء كلّ ذلك مبلغاً يعادل عشرة آلاف دولار أميركي، قامت على الفور بتحويله إلى ليرات ذهبية، وإضافة إلى كلّ أولئك المتورّطين، هناك فتاة تعمل في صالون لتسريح الشعر شريكة في الشبكة ودورها إحضار المزيد من أسماء الطلاب الراغبين بتزوير علاماتهم.
عقوبة الطلّاب
وفقاً للقانون 42، تقرّر بناءً على قرار وزير التربية ترسيب هؤلاء الطلاب في العام الدراسي المنقضي، وحرمانهم من التقدّم إلى امتحانات العام الدراسي الحالي 2024 -2025، كما أن لجنة العقوبات في الوزارة اتخذت العقوبة المناسبة في حقّ الطلاب احترازياً ريثما يبتّ القضاء بالأمر. إذ يبقى الأمر حتى الآن في عهدتي الوزارة والأمن الجنائي، فيما يبقى البتّ الأخير بالعقوبة للقضاء.
وأعلن الوزير أن من بين الطلاب الذين تمّ تزوير علاماتهم 9 من مدرسة خاصة واحدة. وعن ردّ فعل الأهالي، قال: "إعترض الأهالي بالتأكيد، لكن خلال عمليات التحقيق تمّت مواجهتهم فوراً بالأدلة والقرائن وضمناً بالأوراق الامتحانية لأولادهم. وعلى سبيل المثال هناك طالبة كانت علامتها 58 من 600 في إحدى موادها، وبعد التزوير أصبحت العلامة 590 من 600، وعمليات التحقيق تتوسّع ومستمرّة من قبل الأمن الجنائي، للوقوف على كامل حيثيات القضية وتوقيف كلّ أفراد الشبكة المتورطة ومعرفة الهاربين منهم وبقية المتورّطين".
مصادر خاصة أبلغت "النهار" أن أسماء كبيرة في سوريا متورّطة في عملية التزوير، وأكثر ما يثير القلق أنه بعد نشر جداول أسماء الطلاب المزوّرين جرت فوراً محاولة لسحبها من كلّ المنصات.
قبل 5 أشهر أيضاً
وقد لا تبدو عمليات الغشّ والتزوير حديثة العهد في وزارة التربية، كما لا تبدو جهود وزيرها في طور التوقّف عن مكافحتها، وكانت آخر الفضائح خلال امتحانات شهر أيار (مايو) الفائت، عندما أطاحت مخالفات امتحانية وشبكة تزوير مدير تربية دمشق وقتذاك، حيث أقال الوزير شخصياً المدير في رابع أيام امتحانات شهادة التعليم الثانوي بسبب مخالفة التعليمات الامتحانية في مراكز عدّة في دمشق، من خلال انتشار مظاهر فوضى وعدم انضباط.
آنذاك، تحدّثت مصادر صحافية عن ضبط "شبكة تزوير" وتورّط مدير تربية دمشق وعدد من العاملين في المديرية بأعمال الشبكة، وأكّدت توقيفهم كونهم مشتبهاً فيهم. وبحسب معلومات المصادر، فإن عقوبات قاسية بانتظار أعضاء الشبكة في حال ثبوت الاتهامات ضدّهم، والتي تصل إلى السجن لـ15عاماً، إضافة إلى غرامة مالية بمئات الملايين، في حين لا يزال الأمر أمام القضاء من دون تسريبات عن مصيرهم، رغم مضي كلّ هذه المدّة.