مسلحون تابعون لـ"هيئة تحرير الشام" في إدلب (رويترز)
عملت إسرائيل عبر طائراتها الحربية وتوغلاتها البرية المحدودة على تغيير أنماط وأهداف نشاطها العسكري في سوريا، غير مبالية بأية ضوابط أو معايير، بما فيها تفاهم منع الصدام مع روسيا.
وخرقت الغارات الإسرائيلية العديد مما يمكن اعتبارها خطوطاً حمراء، مثل ضرب هدف ملاصق لقاعدة حميميم الروسية، واستهداف مستودعات أسلحة يتبع بعضها للجيش السوري وغير ذلك. لكن الغارة الأخيرة التي استهدفت للمرة الأولى منطقة سراقب، التي تعد من خطوط التماس بين الجيش السوري و"هيئة تحرير الشام"، من شأنها أن تعطي الاعتداءات الإسرائيلية بعداً جديداً، لا يقتصر على استهداف منظومات حزب الله والبني التي تساعده فحسب، بل يكاد يكشف عن نية إسرائيلية لخلط الأوراق في الميدان السوري، بما يمكّن تل أبيب من تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية.
ماذا حصل؟
نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي، بعد منتصف ليل الجمعة - السبت، غارتين على مواقع في منطقة سراقب بريف إدلب، ما أدى إلى مقتل شخص مجهول الهوية، وإصابة 6 آخرين من القوات الحكومية. ودوت انفجارات عنيفة في مقرين عسكرين لهذه القوات، يتردد إليهما عناصر من "حزب الله" قرب خطوط التماس مع "هيئة تحرير الشام"، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وذكر مصدر عسكري سوري أنه "حوالَي الساعة 12:45 بعد منتصف الليل، شنّ العدو الإسرائيلي عدواناً جوياً من اتجاه جنوب شرق حلب مستهدِفاً عدداً من المواقع في ريفَيْ حلب وإدلب، ما أدى إلى إصابة عدد من العسكريين ووقوع بعض الخسائر المادية".
وأفادت مصادر سورية معارضة بأن الغارات استهدفت مواقع الفصائل الموالية لإيران في مدينة سراقب شرقي إدلب، ومركز البحوث العلمية بمنطقة السفيرة في ريف حلب، الذي ينتشر فيه أيضاً عناصر من "الحرس الثوري" الإيراني، ومجموعات عسكرية موالية لطهران.
وأكد "المرصد 80"، المتخصص في رصد التطورات العسكرية شمال غربي سوريا، أن الغارات في سراقب أسفرت عن 7 قتلى وأكثر من 15 جريحاً من فصائل "سرايا العرين" و"سرايا عاشوراء" و"عصائب أهل الحق".
وتكتسب مدينة سراقب أهميتها الاستراتيجية نظراً إلى وقوعها على الطريق الدولي "أم 5"، وكذلك لأنها تعتبر من خطوط التماس مع "هيئة تحرير الشام". وكان الجيش السوري قد استعاد السيطرة عليها في عام 2020، بعد معركة قاسية شهدت اشتباكاً مباشراً مع القوات التركية آنذاك.
لماذا؟
غير أن سراقب لا تقع على خطوط إمداد "حزب الله"، كما لا تحتوي على مواقع أو نقاط قد تؤثر في مسار الحرب في لبنان، لذلك اثار استهدافها الكثير من التساؤلات والشكوك.
وهذه هي المرة الأولى التي تغير فيها الطائرات الإسرائيلية على هدف يقع على خطوط التماس بين الجيش السوري والفصائل المسلحة، ما يشير إلى تغير جذري في طبيعة الاعتداءات الإسرائيلية وحقيقة أهدافها، وسط مخاوف من أن يكون ذلك فاتحة لمرحلة جديدة قد تعمل إسرائيل من خلالها على تغيير خرائط السيطرة والعبث بموازين القوى التي تحكم الميدان السوري منذ آذار (مارس) 2020، تاريخ التفاهم الثنائي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان بخصوص التهدئة في سوريا.
وجاءت الغارة الإسرائيلية النادرة في توقيت شهد فيه مسار التفاوض للتطبيع بين دمشق وأنقرة جموداً، نتيجة تضارب وجهات النظر حول قضية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية. وتزامنت كذلك مع تسريبات تتحدث عن إمكان أن يشهد الشمال السوري معركة كبيرة بين الجيش السوري والفصائل المسلحة، سواء تلك المنضوية تحت لواء "الجيش الوطني السوري" الممول من تركيا، أو "هيئة تحرير الشام" التي تسيطر على مدينة إدلب ومحيطها. وجاءت الغارة كذلك بعد أيام قليلة من إعلان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، تزامناً مع مخاوف من أن يستثمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في فوز ترامب لتوسيع حروبه في المنطقة وتمديدها إلى بلدان أخرى.
خلط أوراق؟
على الرغم من تدهور العلاقة بين أنقرة وتل أبيب لأسباب عدة، بعضها قديم وبعضها الآخر متعلق بالحرب على غزة ولبنان، فإن ذلك قد لا يمنع إسرائيل من جسّ نبض تركيا لمعرفة موقفها من اقتحامها مسرح تصادمها مع الجيش السوري، عبر الفصائل التي تدعمها وتمولها.
ولعل إسرائيل لا تريد من هذا التصرف أن تغازل أنقرة بقدر ما تهدف إلى خلط الأوراق في الميدان السوري. وقد يكون الهدف هو الإيحاء إلى الفصائل المسلحة، ولا سيما "هيئة تحرير الشام"، بأن فتح معركة ضد الجيش السوري والقوات الرديفة (بما فيها الفصائل الموالية لإيران) قد تتردد أصداؤه في تل أبيب للقيام بدور مساعد من أجل ضمان تغيير خرائط السيطرة، بما يشكل ضغطاً على دمشق في الوقت الذي تسعى فيه تل أبيب إلى فك الارتباط بين سوريا وإيران، بحسب التسريبات الصحافية.
وسارع بعض المعرفات الموالية إلى الحديث عن وجود تنسيق مسبق بين تل أبيب وهيئة تحرير الشام، وتحدث معرّف "sam syria" على تطبيق "تلغرام" عن عدوان إسرائيلي مشترك مع التنظيمات الإرهابية في إدلب، استهدف مواقع الجيش العربي السوري وحلفائه على المحور الشرقي لمدينة إدلب ومحيط مدينة سراقب، حيث أطلقت ما سمته "التنظيمات الإرهابية" قذائف وصواريخ باتجاه مواقع الجيش العربي السوري، بشكل متزامن تماماً مع العدوان الإسرائيلي على ريف إدلب.
وأضاف المعرّف، المتخصص بمتابعة المشهد العسكري في سوريا، أن طائرات الاستطلاع رصدت تحركات لـ"التنظيمات الإرهابية" على المحاور الشرقية لمدينة إدلب، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على المنطقة، "وتقوم وحدات الجيش السوري العاملة على المحور بالتعامل معها بالمدفعية والصواريخ والرشاشات الثقيلة بمحيط بلدات آفس وسرمين والنيرب حتى الأتارب غرب حلب".