النهار

إيزيديو العراق المفقودون... ومهمة البحث المضني عن أسرى "داعش"
المصدر: رويترز
إيزيديو العراق المفقودون... ومهمة البحث المضني عن أسرى "داعش"
أيزيدية في سنجار
A+   A-

كان‭‭ ‬‬أيدين حديد طلال يعتقد أن أفراد أسرته قتلوا جميعا في الهجوم الشرس الذي شنه تنظيم "داعش" على الأقلية الدينية الإيزيدية في العراق قبل نحو عشر سنوات.

غير أن الشاب البالغ من العمر 20 عاما بدأ العام الماضي في تلقي رسائل من حساب لمستخدم لا يعرفه على فيسبوك يسأل عن شقيقه المفقود روجين.

وسأله هذا المستخدم "هل يمكنك الاتصال بي؟"، فرد عليه ايدين بالقول "لا، لا أستطيع.. أنا لا أعرفك".

فأجاب "أنا روجين".

كانت آخر مرة رأى فيها أيدين شقيقه الأصغر في آذار (مارس) 2019 عندما كانا أسيرين لدى التنظيم في سوريا. وطلب صورة للتأكد من أنه روجين. وكان هو بالفعل. ودخلا بعد ذلك في مكالمة بالفيديو استمرت لأكثر من ساعتين.

وكانا متلهفين للم شملهما.. لكن الأمر لن يكون سهلا.

فروجين البالغ من العمر 18 عاما كان يعمل في مدينة إدلب في شمال غرب سوريا، وهي المعقل الأخير لمقاتلين معارضين للحكومة ومتشددين تربطهم صلات بتنظيمي القاعدة و"داعش".

وللوصول إلى شقيقه، كان على روجين أن يعبر إلى منطقة تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وهي جماعة مسلحة سورية يقودها الأكراد، ثم عبور الحدود إلى المنطقة التي يتركز فيها الإيزيديون في شمال العراق. ولم تكن لديه هوية ولا وثائق سفر.

بعد عشر سنوات من حملة تنظيم "داعش" ضد الإيزيديين التي دفعت الولايات المتحدة إلى إعادة جنودها للعراق لوقف تقدمه والحيلولة دون وقوع إبادة جماعية، لا تزال مئات العائلات يائسة من لم شملها مع أقاربها المفقودين الذين تعرضوا للأسر والاسترقاق خلال فترة سيطرة التنظيم.

ويعتبر تنظيم "داعش" الإيزيديين كفارا. وكان مقاتلو التنظيم يسعون إلى قتل أو استعباد أتباع هذه الديانة بعد اجتياح مناطقهم في سنجار بشمال غرب العراق في 2014.

وبحلول عام 2019، طرد تحالف تقوده الولايات المتحدة وشركاء محليون التنظيم من الأراضي التي استولى عليها في العراق وسوريا وأعلنوا فيها قيام دولة الخلافة الإسلامية. لكن ناجين وناشطين يقولون إن مهمة العثور على المفقودين وإعادتهم إلى ديارهم كانت موكلة إلى حد كبير لعائلاتهم وعدد قليل من شبكات الإنقاذ التي تفتقر للإمكانيات.

ولإعداد تقرير عن عملية البحث، سافرت رويترز إلى سنجار وعبر منطقة كردستان في شمال العراق التي سعى مئات الآلاف من الإيزيديين إلى اللجوء إليها في 2014. ويستند هذا التقرير إلى مقابلات مع أكثر من 20 شخصا، بينهم أسرى سابقون وأقارب ومهربون وقيادات مجتمعية ومسؤولون حكوميون.

وتحدثوا عن عملية بحث بطيئة ومضنية تنتهي غالبا بحسرة.

آلاف المفقودون

يقول مسؤولون عراقيون إن أكثر من خمسة آلاف إيزيدي، معظمهم من الرجال والنساء كبيرات السن قتلوا في بداية الهجوم في أغسطس آب 2014 وألقيت جثثهم في مقابر جماعية.

كما تم أسر نحو 6400 آخرين، معظمهم من النساء والأطفال. وبينما كان يتم بيعهم لأغراض تنوعت ما بين الاسترقاق والاستعباد الجنسي أو تدريبهم ليكونوا مقاتلين ومفجرين انتحاريين، كانوا ينتقلون من مالك إلى آخر في إطار "دولة الخلافة" التي امتدت لتشمل ثلث العراق وسوريا تقريبا.

وأفادت بيانات صادرة عن مكتب أسسه رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لتنسيق عمليات الإنقاذ بأن ما لا يقل عن 3584 من الأسرى تمكنوا من الفرار أو تم إطلاق سراحهم في نهاية المطاف.

وهناك ما يقرب من 2600 ما زالوا في عداد المفقودين، يخشى أن يكون معظمهم قد لقوا حتفهم إما على يد خاطفيهم أو في معارك بين التنظيم وأعدائه.

لكن كل بضعة أشهر، تتردد أنباء عن المزيد من الناجين بين الطائفة الإيزيدية التي يبلغ قوامها نحو مليون يعيش أقل من نصفهم بقليل في العراق.

ويقول بعض الناشطين الإيزيديين إن العثور على المختطفين ليس من أولويات الحكومة العراقية وحلفائها.

وقال مراد إسماعيل أحد مؤسسي منظمة (يزدا) -المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان ومقرها الولايات المتحدة- والمدير التنفيذي السابق لها والذي يدير الآن مبادرة تعليمية في سنجار "لا توجد جهود منتظمة من جانب العراق أو المجتمع الدولي لإنقاذ الأسرى".

وأضاف أن التنافس بين الهيئات الحاكمة المختلفة، بما في ذلك الحكومة العراقية والسلطات الإقليمية الكردية في شمال العراق وسوريا، يعني أنه ليس هناك تعاون يذكر فيما بينها.

كما اتهم التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بعدم بذل ما يكفي من الجهد لتحرير الإيزيديين. وتشير التوقعات الحالية إلى أن التحالف سينهي عملياته في العراق بحلول أيلول (سبتمبر) 2025، غير أن المهمة ستستمر في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لرويترز إن واشنطن عملت لسنوات لتحرير الإيزيديين المختطفين.

وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تموز (يوليو)"نحن عازمون على العثور عليهم ومعرفة مصائرهم وإنقاذ من لا يزال على قيد الحياة"، مضيفا أن واشنطن استثمرت نحو 500 مليون دولار في دعم تعافي المجتمعات المحلية الأكثر تضررا من التنظيم.

 "وكأنه عاد من القبر"

وقع أيدين وروجين في الأسر مع والديهما وشقيقين أصغر سنا في اليوم الأول من هجوم المسلحين على سنجار في الثالث من آب (أغسطس) 2014. وقالا لرويترز إن المقاتلين اعترضوا سيارتهم أثناء محاولتهم الفرار من قرية حردان.

وقالا إن والدهما وافق على اعتناق الإسلام تحت تهديد السلاح، لكن القرار لم يمنح الأسرة الكثير من الراحة. فقد استمر نقلهم من منشأة احتجاز مؤقتة إلى أخرى لعدة أشهر.

وقال الشقيقان إنه في أحد الأيام في مدينة تلعفر القريبة، تم استدعاء والدهما مع رجال إيزيديين آخرين إلى مسجد. ولم يعودوا أبدا.

وبعد فترة وجيزة، تم إرسال أيدين إلى معهد ديني، ثم إلى أكاديمية عسكرية للتنظيم. وبيع روجين مع والدتهما وشقيقيهما، لكنه قال إن مقاتلا سعوديا أخذه منها لاحقا لتربيته.

ومع بدء التنظيم في خسارة الأراضي، كان يجري نقل الشقيقين ذهابا وإيابا بين العراق وسوريا، وانتهى بهما المطاف في قرية الباغوز السورية. عندما خاض المسلحون آخر معركة هناك في مارس آذار 2019، وحاول أيدين، الذي كان يبلغ من العمر 15 عاما آنذاك، إقناع شقيقه البالغ من العمر 13 عاما بالفرار إلى قوات سوريا الديمقراطية التي كانت تقترب منهم.

وقال أيدين عن ذلك "لقد كان الأمر أشبه بالجحيم. فقد تتعرض للضرب في أي لحظة".

لكن شقيقه، الذي تلقى تعليمه وفق معتقدات التنظيم، قال إنه كان مستعدا للموت.

وقال أيدين "كان رأسه مثل الحجر. كأن الكلام يدخل من أذن ويخرج من الأخرى".

* ماذا بعد؟

لا يزال عشرات الآلاف من النازحين الإيزيديين يعيشون في خيام رثة في كردستان. ويستغل البعض المساعدات النقدية التي تقدمها الحكومة العراقية في العودة إلى سنجار، لكن آخرين يقولون إن المساعدات غير كافية.

ولا يزال جزء كبير من المنطقة مدمرا إلى حد كبير. كما أن الأمن يمثل مشكلة، فقد رفضت جماعات مسلحة عرقية ودينية ساعدت في طرد التنظيم من سنجار تسريح قواتها، وتنفذ تركيا ضربات بطائرات مسيرة ضد بعضها.

وفرص العمل قليلة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين لم يكملوا تعليمهم بسبب الحرب.

إعلان

الأكثر قراءة

سياسة 11/16/2024 7:26:00 PM
في خطوة مفاجئة، أقدمت جهات معنية في الضاحية الجنوبية لبيروت على إغلاق عدد من مداخل المنطقة ومخارجها باستخدام السواتر الحديد، رغم استمرار تعرضها للقصف الإسرائيلي شبه اليومي. هذه الإجراءات أثارت تساؤلات: هل هدفها الحد من ظاهرة السرقات التي انتشرت أخيرا في الضاحية، أو منع تجمع المواطنين قرب المباني التي يحذر العدو الإسرائيلي من الاقتراب منها، لتوثيق لحظة القصف؟

اقرأ في النهار Premium