النهار

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم
المصدر: أ ف ب
فرّ معاذ فاضل من قريته في شمال العراق إبّان سيطرة تنظيم "داعش"، وعاد بعد ‏عشرة أعوام بتشجيع من الحكومة العراقية الساعية إلى إغلاق مخيمات النازحين، ‏ليواجه تحدّي إعادة بناء بيته المدمّر.‏
في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم
نازحون من شمال العراق الى مخيم حسن شام (أ ف ب)‏
A+   A-


وتعمل الحكومة العراقية على تسريع إغلاق حوالى 20 مخيما في إقليم كردستان ‏المتمتع بحكم ذاتي والذي يقيم فيها أكثر من 115 ألف نازح، وفق الأمم المتحدة، ‏لكن قرى كثيرة لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب العائدين.‏

وتلمع عينا فاضل (53 عاما) عندما يروي كيف عاد الى قريته حسن شامي في ‏قضاء الحمدانية في آب (أغسطس) مع عائلته، "بكينا من الفرح"، و"نسينا الدمار ‏وكلّ شيء".‏


لكن الأب لثمانية أطفال يضيف "لا شيء متوافرا حتى الآن"، "المياه تأتينا ‏بالصهاريج وليست لدينا كهرباء". وتسكن العائلة حاليا في منزل أعارها إياه ‏صديق.‏


على مقربة من المكان، منازل معظمها سُوّيت بالأرض، وأخرى في طور إعادة ‏البناء. كذلك، بدأ تدريجا تعبيد الطرق في محيط مسجد صغير جديد أبيض.‏

وفيما لا يزال أبناء فاضل القصّر يرتادون مدرستهم في مخيّم حسن شام  يو3 ‏‏(‏U3‎‏) الذي يبعد نحو كيلومتر واحد فقط، يشير الفلّاح السابق إلى مدرسة بناته ‏الأكبر التي دمّرها الجهاديون بالكامل.‏


ويضيف الرجل العاطل عن العمل، "أنا ولدت هنا، وكذلك أبي وأمي، ولدينا ‏ذكريات حلوة هنا".‏

 

 

‏"وصمة" ‏
وتعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من ‏المخيمات، بعدما خصصت مبلغ أربعة ملايين دينار (نحو ثلاثة آلاف دولار) لكلّ ‏عائلة عائدة إلى قريتها.‏


غير أن هذه المنحة غير كافية عمليا لإعادة بناء المنازل وتأمين القوت اليومي.‏


وتعتاش عائلة فاضل بشكل أساسي من راتب أحد الأبناء الذي يتلقى كل أربعة أو ‏خمسة ايام، مبلغا لا يتجاوز الثمانية دولارات لقاء عمله في قطاع البناء.‏

وأعلن العراق في نهاية 2017 الانتصار على تنظيم "داعش" الذي سيطر لمدّة ‏ثلاثة أعوام على ثلث مساحة أراضيه، ويسود منذ ذلك الحين استقرار نسبي في ‏البلد الذي يضمّ أكثر من مليون نازح.‏


ومن شروط العودة، حصول النازحين على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية ‏بعد التأكد من أنهم ليسوا مطلوبين في جرائم مرتبطة بالإرهاب.‏

لكن بين سكان مخيمات شرق الموصل البالغ عددهم نحو 11 ألفا، وفق أرقام ‏رسمية، هناك 600 معتقل سابق، بحسب وثيقة للأمم المتحدة اطّلعت عليها وكالة ‏فرانس برس.‏


ففي 2017 ومع بدء عمليات طرد الجهاديين من قضاء الحويجة في شمال العراق، ‏سلّم العديد من الأشخاص أنفسهم الى سلطات إقليم كردستان، واعترفوا بانتمائهم ‏للتنظيم المتطرّف وخضعوا لمحاكمات.‏


بعد استيفاء مدة عقوبتهم التي وصلت إلى خمس سنوات والإفراج عنهم، نُقل البعض ‏إلى مخيمات شرق الموصل في منطقة متنازع عليها بين بغداد وأربيل، عاصمة ‏الإقليم.‏


وقد يتعرّض هؤلاء جرّاء عودتهم إلى أراضي العراق الاتحادية، لمحاكمات ‏متكرّرة.‏


في حسن شام يو3، يقول رشيد (32 عاما) الذي اختار اسما مستعارا لحساسية ‏وضعه الأمني، إنه دخل السجن قبل سنوات بتهمة "الإرهاب" قبل خروجه إلى ‏المخيم الذي "غيّر نفسيتي" ومنحه فرصة ثانية في الحياة.‏


ويضيف عامل البناء، متجنّبا الخوض في تفاصيل حياته السابقة في صفوف ‏التنظيم، "إذا خرجت من المخيم، قد يُحكم عليّ بالسجن 20 عاما (...) ولن يكون ‏لدي مستقبل".‏


غير أن البقاء مصحوب أيضا "بوصمة"، وفق قوله، إذ "حتى لو لم يكن لدى ‏الشخص مشاكل أمنية، سينظر إليه الجميع على أنه من داعش حين يرون أنه لا ‏يزال في المخيم".‏


‏"حتى آخر عائلة" ‏
ويشير المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير إلى أن كلّ ‏من "عليهم مؤشرات أمنية (...) لا يستطيع أحد منع" السلطات العراقية من ‏‏"إحالتهم على القضاء".‏


ويرى أن لدى "الناس والأجهزة الأمنية يقينا بأن الفرد هو المسؤول عن تصرفاته ‏ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التعميم على عائلته"، مؤكدا أن بغداد "تسعى دائما ‏إلى ترتيب الأوضاع وتهيئة مناطق العودة إلى سابق عهدها".‏


وتقول مديرة إدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة أربيل ناز جلال سليم ‏‏(37 عاما) "المخيمات ستبقى مفتوحة حتى مغادرة آخر عائلة قد تكون لا تزال ‏بحاجة إلى مساعدة".‏


وحاولت بغداد مرارا في الأشهر الأخيرة فرض مواعيد نهائية لإغلاق المخيمات، ‏حتى أنها ذهبت إلى حدّ مقاضاة مسؤولين في الإقليم، قبل أن تعتمد أخيرا نهجا ‏تعاونيا.‏


ويوضح مدير حملات المناصرة في المجلس النروجي للاجئين (منظمة غير ‏حكومية) في العراق إمرول إسلام، أن بإمكان النازحين، لدى مغادرتهم المخيمات، ‏إما "العودة إلى منطقتهم الأصلية أو البقاء (...) في المجتمع الذي استضافهم ‏لسنوات، أو إعادة التوطين في مكان ثالث".‏


ويشدّد على ضرورة تأمين "مدارس ومستشفيات وطرق وأسواق توفّر فرصا ‏لكسب الرزق"، محذرا من أن يتسبّب عدم توفر البنية التحتية بـ"عودة العائلات إلى ‏المخيمات".‏


لكنّ، رغم كل الصعوبات، بعض العائلات سعيدة بالعودة، مثل وفاء (اسم مستعار) ‏التي تقول إنها تعمل مع زوجها وأولادها بلا كلل على الرغم من انقطاع الكهرباء ‏والمياه، في تنظيف حديقتهم وبيتهم.‏


وتقول السيدة الأربعينية ماسحة دموعها بكمّ عباءتها الزهرية، "حين تلقيت خبر ‏إمكان مغادرة (مخيم الخازر)، كنت مثل الطفل الضائع الذي وجد أمّه وركض ‏نحوها ليعانقها".‏


خلال شهر ونصف الشهر، أزالت العائلة الأعشاب وافترش أفرادها بُسُطا وجلبوا ‏أواني للطبخ وبَنوا سقفا من طين واشتروا لوحا للطاقة الشمسية، ووضعوا ساترا ‏من قماش يفصل بيتهم عن الطريق.‏


وتضيف "حياتي تغيّرت للأفضل وأصبح لدي أمل كل صباح بأن لديّ حياة جديدة".‏

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium