وتعمل الحكومة العراقية على تسريع إغلاق حوالى 20 مخيما في إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي والذي يقيم فيها أكثر من 115 ألف نازح، وفق الأمم المتحدة، لكن قرى كثيرة لا تزال تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستيعاب العائدين.
وتلمع عينا فاضل (53 عاما) عندما يروي كيف عاد الى قريته حسن شامي في قضاء الحمدانية في آب (أغسطس) مع عائلته، "بكينا من الفرح"، و"نسينا الدمار وكلّ شيء".
لكن الأب لثمانية أطفال يضيف "لا شيء متوافرا حتى الآن"، "المياه تأتينا بالصهاريج وليست لدينا كهرباء". وتسكن العائلة حاليا في منزل أعارها إياه صديق.
على مقربة من المكان، منازل معظمها سُوّيت بالأرض، وأخرى في طور إعادة البناء. كذلك، بدأ تدريجا تعبيد الطرق في محيط مسجد صغير جديد أبيض.
وفيما لا يزال أبناء فاضل القصّر يرتادون مدرستهم في مخيّم حسن شام يو3 (U3) الذي يبعد نحو كيلومتر واحد فقط، يشير الفلّاح السابق إلى مدرسة بناته الأكبر التي دمّرها الجهاديون بالكامل.
ويضيف الرجل العاطل عن العمل، "أنا ولدت هنا، وكذلك أبي وأمي، ولدينا ذكريات حلوة هنا".
"وصمة"
وتعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات، بعدما خصصت مبلغ أربعة ملايين دينار (نحو ثلاثة آلاف دولار) لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.
غير أن هذه المنحة غير كافية عمليا لإعادة بناء المنازل وتأمين القوت اليومي.
وتعتاش عائلة فاضل بشكل أساسي من راتب أحد الأبناء الذي يتلقى كل أربعة أو خمسة ايام، مبلغا لا يتجاوز الثمانية دولارات لقاء عمله في قطاع البناء.
وأعلن العراق في نهاية 2017 الانتصار على تنظيم "داعش" الذي سيطر لمدّة ثلاثة أعوام على ثلث مساحة أراضيه، ويسود منذ ذلك الحين استقرار نسبي في البلد الذي يضمّ أكثر من مليون نازح.
ومن شروط العودة، حصول النازحين على الضوء الأخضر من الأجهزة الأمنية بعد التأكد من أنهم ليسوا مطلوبين في جرائم مرتبطة بالإرهاب.
لكن بين سكان مخيمات شرق الموصل البالغ عددهم نحو 11 ألفا، وفق أرقام رسمية، هناك 600 معتقل سابق، بحسب وثيقة للأمم المتحدة اطّلعت عليها وكالة فرانس برس.
ففي 2017 ومع بدء عمليات طرد الجهاديين من قضاء الحويجة في شمال العراق، سلّم العديد من الأشخاص أنفسهم الى سلطات إقليم كردستان، واعترفوا بانتمائهم للتنظيم المتطرّف وخضعوا لمحاكمات.
بعد استيفاء مدة عقوبتهم التي وصلت إلى خمس سنوات والإفراج عنهم، نُقل البعض إلى مخيمات شرق الموصل في منطقة متنازع عليها بين بغداد وأربيل، عاصمة الإقليم.
وقد يتعرّض هؤلاء جرّاء عودتهم إلى أراضي العراق الاتحادية، لمحاكمات متكرّرة.
في حسن شام يو3، يقول رشيد (32 عاما) الذي اختار اسما مستعارا لحساسية وضعه الأمني، إنه دخل السجن قبل سنوات بتهمة "الإرهاب" قبل خروجه إلى المخيم الذي "غيّر نفسيتي" ومنحه فرصة ثانية في الحياة.
ويضيف عامل البناء، متجنّبا الخوض في تفاصيل حياته السابقة في صفوف التنظيم، "إذا خرجت من المخيم، قد يُحكم عليّ بالسجن 20 عاما (...) ولن يكون لدي مستقبل".
غير أن البقاء مصحوب أيضا "بوصمة"، وفق قوله، إذ "حتى لو لم يكن لدى الشخص مشاكل أمنية، سينظر إليه الجميع على أنه من داعش حين يرون أنه لا يزال في المخيم".
"حتى آخر عائلة"
ويشير المتحدث باسم وزارة الهجرة والمهجرين علي عباس جهانكير إلى أن كلّ من "عليهم مؤشرات أمنية (...) لا يستطيع أحد منع" السلطات العراقية من "إحالتهم على القضاء".
ويرى أن لدى "الناس والأجهزة الأمنية يقينا بأن الفرد هو المسؤول عن تصرفاته ولا يمكن بأي شكل من الأشكال التعميم على عائلته"، مؤكدا أن بغداد "تسعى دائما إلى ترتيب الأوضاع وتهيئة مناطق العودة إلى سابق عهدها".
وتقول مديرة إدارة الهجرة والاستجابة للأزمات في محافظة أربيل ناز جلال سليم (37 عاما) "المخيمات ستبقى مفتوحة حتى مغادرة آخر عائلة قد تكون لا تزال بحاجة إلى مساعدة".
وحاولت بغداد مرارا في الأشهر الأخيرة فرض مواعيد نهائية لإغلاق المخيمات، حتى أنها ذهبت إلى حدّ مقاضاة مسؤولين في الإقليم، قبل أن تعتمد أخيرا نهجا تعاونيا.
ويوضح مدير حملات المناصرة في المجلس النروجي للاجئين (منظمة غير حكومية) في العراق إمرول إسلام، أن بإمكان النازحين، لدى مغادرتهم المخيمات، إما "العودة إلى منطقتهم الأصلية أو البقاء (...) في المجتمع الذي استضافهم لسنوات، أو إعادة التوطين في مكان ثالث".
ويشدّد على ضرورة تأمين "مدارس ومستشفيات وطرق وأسواق توفّر فرصا لكسب الرزق"، محذرا من أن يتسبّب عدم توفر البنية التحتية بـ"عودة العائلات إلى المخيمات".
لكنّ، رغم كل الصعوبات، بعض العائلات سعيدة بالعودة، مثل وفاء (اسم مستعار) التي تقول إنها تعمل مع زوجها وأولادها بلا كلل على الرغم من انقطاع الكهرباء والمياه، في تنظيف حديقتهم وبيتهم.
وتقول السيدة الأربعينية ماسحة دموعها بكمّ عباءتها الزهرية، "حين تلقيت خبر إمكان مغادرة (مخيم الخازر)، كنت مثل الطفل الضائع الذي وجد أمّه وركض نحوها ليعانقها".
خلال شهر ونصف الشهر، أزالت العائلة الأعشاب وافترش أفرادها بُسُطا وجلبوا أواني للطبخ وبَنوا سقفا من طين واشتروا لوحا للطاقة الشمسية، ووضعوا ساترا من قماش يفصل بيتهم عن الطريق.
وتضيف "حياتي تغيّرت للأفضل وأصبح لدي أمل كل صباح بأن لديّ حياة جديدة".