حملت الأنباء الواردة من إسرائيل مؤشرات إيجابية إلى تقدم في مساعي وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية، وإن أشارت إلى وجود نقاط لا تزال عالقة وقيد التفاوض، في حين من المرتقب أن يجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي غداً الثلاثاء للموافقة على اتفاق لوقف إطلاق النار، على أن يعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تفاصيل الاتفاق.
ومساء أمس أعلن مصدر مطلع على المفاوضات أن نتنياهو وافق على اتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" "من حيث المبدأ"، خلال مشاورات أمنية أجراها مع وزراء ومسؤولين أمنيين، مساء الأحد. وقال المصدر إن إسرائيل لا تزال لديها تحفظات عن بعض تفاصيل الاتفاق التي يُتوقع أن تكون نقلت إلى الحكومة اللبنانية، ولن يكون الاتفاق نهائياً قبل حلها.
ونقلت "القناة 12" عن مسؤول إسرائيلي قوله:"حدث تقدم كبير في طريق التوصل إلى تسوية. التسوية أقرب من أي وقت مضى، وإذا لم تكن هناك مفاجآت - قد تتم خلال الأيام القليلة المقبلة".
ورأى كثير من الخبراء والمحللين الأمنيين الإسرائيلين أن "الفرصة ذهبية لإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان، وأنها لن تتكرر لفصل الجبهة الشمالية عن الجبهة الجنوبية في حرب ثقيلة على جبهات متعددة منذ ما يقارب الـ15 شهراً".
وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة "هآرتس" أن إسرائيل أعربت عن موافقتها المبدئية على التسوية مع لبنان، لكن مصادر إسرائيلية وأميركية أشارت إلى أن "هذا ليس تأكيداً نهائياً لوقف إطلاق النار". وبحسب مصدر إسرائيلي، تتمحور المحادثات على مسألة "حرية تحرك الجيش الإسرائيلي في منطقة الحدود السورية – اللبنانية"، مؤكداً أن إسرائيل "تلقت ضمانات من واشنطن بشأن حرية التحرك في حال حدوث انتهاك للاتفاق مع لبنان".
ونقلت "هآرتس" عن المصدر قوله إن "الاتفاق مع لبنان جاهز، والآن يدرس رئيس الحكومة بنيامين نتياهو كيفية شرحه وترويجه للجمهور الإسرائيلي"، مشيراً إلى أنه تم إعطاء المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكشتاين الضوء الأخضر للمضي قدماً في الاتفاق، ومن المؤمل به إعلان ذلك خلال أيام.
وفي السياق، نقل موقع "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين وأميركيين رفيعي المستوى أن "واشنطن وافقت على منح إسرائيل ضمانات لدعم أي عمل عسكري ضد تهديدات من لبنان ولدعم تعطيل إعادة وجود عسكري لحزب الله قرب الحدود".
من يوافق ومن يعارض؟
تأتي هذه التطورات وسط معارضة شديدة من رؤساء المجالس الاستيطانية في الشمال، وقد وصفها رئيس المجلس الإقليمي ماتيه أشر ورئيس منتدى خط المواجهة موشيه دافيدوفيتش بـ"الخطوة المتسرعة"، معتبرين أن "الحكومة تعيش وهماً، وحولت المفاوضات إلى مهزلة، وهذه السياسة ستدفع المزيد من سكان الشمال إلى مغادرته، وهو عكس ما ترغب فيه الحكومة الإسرائيلية التي وضعت عودة سكان المستوطنات الحدودية الى بيوتهم في طليعة الأهدف لإتمام الاتفاق".
أما وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، فرأى أن "الأوان لم يفت بعد لوقف هذا الاتفاق، ويجب مواصلة الحرب حتى تحقيق النصر الكامل"، لكنه لم يلمح إلى الانسحاب من الحكومة كما كان يفعل سابقاً.
في الأثناء، نقلت "القناة 12" الإسرائيلية عن مصادر مقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الجيش الإسرائيلي يدعم إبرام اتفاق لأسباب عديدة، أهمها أنه سيعطي استراحة لقوات الجيش، بخاصة الاحتياط، التي تخطت خدمة بعضها 340 يوماً، كما أنه سيكون فرصة لتجديد مخازن الأسلحة وصيانة المعدات في محاولة لتعويض النقص. ووسط ذلك نشرت هيئة البث الإسرائيلية أنباء متناقضة خلال إجراء نتنياهو مشاوراته الأمنية الضيقة مع الوزراء وكبار المسؤولين الأمنيين لمناقشة الاتفاق المرتقب، وبعدها.
الدور الفرنسي
ومن المسائل المعقدة في المفاوضات الدور الفرنسي في التسوية، ففيما يطالب الجانب اللبناني بأن تكون فرنسا جزءاً من آلية الإشراف على الاتفاق، يعارض الجانب الإسرائيلي ذلك بسبب ما يصفه برد الفعل الفرنسي "المتراخي" على إصدار المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مذكرتَي اعتقال في حق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، علماً أن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن هذه القضية في محاولة للتوصل إلى حل يرضي نتنياهو والحكومة الإسرائيلية، بعدما أظهر نتنياهو غضبه خلال لقائه هوكشتاين الخميس الماضي، وقال إن من المستحيل أن يكون لفرنسا دور محوري في مراقبة آلية الاتفاق المتوقع، لكن "القناة 14" الإسرائيلية المقربة من اليمين المتطرف ومن نتنياهو نشرت خبراً أولياً بأن فرنسا، رغم كل ما سبق، ستكون جزءاً من آلية مراقبة التفاهمات التي تم التوصل إليها حتى الآن، ما يعني أن لبنان وإسرائيل أقرب من أي وقت مضى إلى إتمام الاتفاق.
الهدف الاستراتيجي لإسرائيل
الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في جامعة حيفا أميتسيا بارعام، قالت في مقابلة مع صحيفة "معاريف" إن "الاتفاق هو مجرد البداية، الصراع مع حزب الله على الحدود الشمالية يضع إسرائيل أمام معضلات استراتيجية معقدة، تجمع بين القتال البري والجوي والقرارات بشأن مستقبل قرى جنوب لبنان. وبينما تعمل إسرائيل على زيادة الضغوط العسكرية بهدف إضعاف التنظيم والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، فإن هناك أسئلة جوهرية مطروحة على جدول الأعمال حول الثمن، وآليات الرقابة المستقبلية، وكيفية التعامل مع التهديد المتجدد لحزب الله".
وشرحت بارعام إمكان التقدم الإسرائيلي حتى إلى ما بعد الليطاني بقولها: "على بعد 30 كلم من الحدود يقع نهر الليطاني، ومن ورائه على مسافة 25 كلم أخرى، يقع نهر الأولي الذي يتمتع بميزة طوبوغرافية وقيمة تكتيكية كبيرة. ومع ذلك، فإن كل خطوة إلى الأمام قد تكلفنا خسائر فادحة، لذلك في رأيي، من الأفضل أن نكتفي بالاستيلاء على تلال تصل إلى 10 كيلومترات من الحدود، مع الاستفادة على نطاق واسع من القوة الجوية القادرة على الوصول إلى كل ركن من أركان لبنان، وهذه هي ميزتنا الرئيسية. يجب علينا زيادة الغارات الجوية على أهداف عسكرية لحزب الله وتحذير المواطنين بضرورة الإخلاء، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي إلى زيادة في عدد اللاجئين وخلق ضغوط داخلية في لبنان. والإضرار بمعنويات التنظيم هو الطريق الذي سيحقق الفائدة الأكبر في الصراع الحالي ويساعد على تحقيق الإنجازات كبيرة على المدى القصير".
ورأت أن "المعضلة المركزية اليوم هي: هل يجب السماح لسكان قرى جنوب لبنان بالعودة إلى منازلهم بعد وقف إطلاق النار؟ فكل القرى هي في الواقع جزء من البنية التحتية لحزب الله. والحل الأمثل هو عدم عودتهم، ولكن يكاد يكون من المستحيل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار إذا منعنا عودتهم، فالضغط اللبناني على حزب الله من أجل وقف النار سوف يتراجع. ومن ناحية أخرى، إذا سمحنا بعودتهم، فإن عناصر حزب الله سيعودون معهم أيضاً - الآباء والأبناء - وسيتجدد التهديد الأمني".
وأكدت أنه "إذا فشلت المراقبة، ستضطر إسرائيل إلى القيام بعمل عسكري لإزالة التهديد. إنها مهمة صعبة، لكن البديل المتمثل في عدم الموافقة على وقف إطلاق النار أكثر خطورة".