اضطر هؤلاء النازحون لمغادرة منازلهم بعد تدميرها خلال عمليات القصف المتواصلة التي لا تزال تخلف دماراً هائلاً وأعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى. لجأوا إلى خيام مؤقتة لكنها اليوم متهالكة، مهددة بمياه الأمطار.
أطفال رُضَع وفتيان ونساء حوامل ومصابون ومرضي وكهلة ممن يكابدون مرارة العيش في خيام النازحين في عموم القطاع، يترقبون فصلا آخر من البرد والخوف، وسط غياب أبسط مقومات الحياة، في مشهد يزيده الصمت الدولي قسوة، بحسب وكالة "وفا".
يروي محمد الجاروشة، الذي فرّ مع أسرته من شمال قطاع غزة إلى الجنوب، بعضاً من يوميات الألم التي يعيشها في خيمة صغيرة، قائلاً: "منذ أن قُصف منزلنا، لم نعد نجد مكاناً يأوينا، هربنا إلى رفح جنوب القطاع لنقيم في هذه الخيمة. كنا نأمل أن تكون مأوى لنا، لكن الخيمة أصبحت عرضة للرياح والمطر، وقد تهاوت من كثرة الاستخدام، ومع ذلك لا توجد بدائل".
ويضيف الجاروشة بتأثر: "الخيام لا تحتمل أكثر، الرياح تهددنا في كل ليلة، والاحتلال يمنع دخول أي مساعدات قد تساعدنا في تخفيف معاناتنا". ووسط هذه الظروف، يوجه محمد نداءً لقيادات العالم وللتدخل ووقف معاناتهم، أو على الأقل السماح بدخول المساعدات الإنسانية الضرورية.
وفي مشهد مشابه، يقول أمين الراعي، وهو رب أسرة أخرى نازحة تعيش نفس الظروف: "الشتاء الماضي كان قاسياً علينا، فقد واجهنا أمطاراً غمرت خيامنا بالكامل، عشنا أبشع أيام حياتنا. البرد كان شديداً، وكنا نرتعش من قسوته، لا كهرباء، لا تدفئة، ولا أمل".
وتؤكد الدكتورة سمر محمود، التي تعمل كمتطوعة طبية في المخيمات، على قسوة الوضع الصحي في تلك الخيام، قائلة: "مياه الأمطار أغرقت الخيام وجعلتها غير صالحة للسكن، وفقد معظم السكان ممتلكاتهم، يعيش الناس في ظروف بالغة القسوة تهدد حياتهم وصحتهم. الأطفال الرضع وكبار السن هم الأكثر عرضة للخطر في هذه الظروف القاسية."
تحذر الدكتورة محمود من أن غياب الرعاية الصحية ونقص الأدوية قد يؤدي إلى حالات وفاة بين الأطفال وكبار السن، خاصة وأن الوضع الغذائي سيئ للغاية. وتشير إلى أن ما يحدث لا يمكن وصفه إلا بكارثة إنسانية تحتاج إلى تدخل عاجل.
ويعاني قطاع غزة من حصار مشدد تفرضه سلطات الاحتلال منذ عام 2007، مما أدى إلى تدهور البنية التحتية، وتفاقم معدلات البطالة والفقر. وعلى مدار سنوات، شنت عدداً من العمليات العسكرية والحروب على القطاع، كان آخرها في تشرين الاول (أكتوبر) 2023، حيث تشن غارات مكثفة أدت إلى تدمير واسع النطاق، وتهجير آلاف العائلات التي فقدت منازلها، وتركت بعض المناطق عبارة عن أطلال لا تصلح للسكن.
وفي تقرير للأمم المتحدة، وصف الأمين العام أنطونيو غوتيريش الأوضاع في شمال غزة بأنها "لا تطاق"، معرباً عن قلقه العميق إزاء مستويات الموت والإصابات والتدمير المروعة. وأوضح أن عدوان إسرائيل المستمر يفاقم معاناة المدنيين المحاصرين، الذين يجدون أنفسهم بلا مأوى، وتحت قصف دائم، بينما يتفرج العالم دون اتخاذ أي إجراءات توقف المأساة.
ومع حلول فصل الشتاء، يواجه هؤلاء النازحون مصيراً صعباً في خيامهم التي تفتقر لأبسط وسائل الحماية. هم أناس، يبحثون عن مأوى يحميهم، ودفء يقيهم، ومجتمع دولي ينصفهم، لكنهم إلى اليوم لم يجدوا سوى البرد والصمت. وبقاء العالم صامتاً أمام هذه المعاناة يزيد من يأسهم، ليصبح فصل الشتاء بالنسبة لهم فصلاً آخر من فصول الموت والمعاناة.