بعكس نظرته إلى الحرب على "حماس"، بدا رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر ميلاً إلى إعلان وقف إطلاق النار في لبنان خلال الأيام الأخيرة. لكنّ التجارب السابقة لم تشجّع كثيراً على الوثوق بنواياه.
لو وافقت إسرائيل على الاتفاق، فسيكون هذا أول وقف لإطلاق النار في غزة ولبنان معاً، منذ عام تقريباً، حين قبلت تل أبيب و"حماس" بهدنة تمّ خلالها تبادل بعض السجناء والأسرى. سرت هذه الهدنة أيضاً على إسرائيل و"حزب الله".
في أيلول (سبتمبر)، وقبل ساعات قليلة من اغتيال أمين عام "حزب الله" السيد حسن نصرالله، أبلغت الحكومة اللبنانية الموفد الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين بأنّ الحزب موافق على وقف إطلاق النار. بعد الاغتيال، اشتدّ النزاع مجدداً، وأطلقت إسرائيل عمليتها البرية في جنوب لبنان. لكن في الأيام والساعات الأخيرة، لم يبدُ نتنياهو مندفعاً نحو مسار التسوية وحسب، بل بذل جهداً لإقناع المتردّدين والمشكّكين بها، أكانوا في الحكومة أم خارجها.
أبرز النقاط
فجر الثلاثاء، نشرت "جيروزاليم بوست" تقريراً نصح من يرغب بمعرفة كيف يخطّط نتنياهو لـ "بيع" التسوية أن يصغي إلى القناة "14" الإسرائيلية.
قال إيريل سيغال، الصحافي المقرّب من رئيس الحكومة، إن "إسرائيل ستحافظ على حرية الحركة في لبنان – كلّ شيء آخر هو كلام". وعلى محطة أخرى، شرح أنّ التسوية مدعومة بل حتى خاضعة لضغط هيئة الأركان بهدف "تجديد القوات".
عدّد الصحافي يينون ماغال على حسابه بمنصة "أكس" النقاط التي تدعم التسوية: منع التصويت ضدّ إسرائيل في مجلس الأمن خلال الشهرين المقبلين، وتعزيز الجيش وقوات الاحتياط، وإعادة ملء مخزونات الأسلحة، وفصل جبهتي غزة وجنوب لبنان. يؤدّي ذلك إلى عزل "حماس" وزيادة الضغط عليها للإفراج عن المحتجزين الـ 101. باختصار، رأت الصحيفة أنّ ماغال كرّر كلّ ما تحدّث عنه نتنياهو من أجل الترويج للاتفاق.
نتنياهو والجيش
كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن منذ شهر تقريباً أن أهدافه في لبنان تحققت. في 29 تشرين الأول (أكتوبر) المنصرم، ذكرت القيادة الشمالية في الجيش أن أغلبية البنية التحتية لـ "حزب الله" قرب الحدود تعرّضت للتدمير، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أغلبية الأسلحة التي خضعت للتفجير أو نُقلت إلى إسرائيل. لكن، لم يُعرف عن نتنياهو كثيراً التزامه توجيهات الجيش الإسرائيلي عند محطات مفصلية. فقد اختلف مع وزير دفاعه السابق يوآف غالانت على أهداف الحرب في غزة ومستقبلها.
وصف غالانت الحديث عن "انتصار شامل" على "حماس" بأنّه "هراء"، واختلف الرجلان حول أهمية احتفاظ إسرائيل بالسيطرة على معبر فيلادلفيا، واتّهم غالانت رئيس حكومته بأنّه كان يفضّل هذا الخيار على استعادة الرهائن الإسرائيليين. انتهى الأمر بإقالة غالانت في وقت سابق من الشهر الحالي.
"تمرّد صغير"
لاحظ عاموس هاريل في صحيفة "هآرتس" أنّه منذ بدأ الصحافيون في الإعلام الموالي لنتنياهو كيل المديح للاتفاق، بدا "واضحاً" أنّ الحكومة تريد وقفاً لإطلاق النار في لبنان.
لكن تبقّت عقبات كي يذلّلها نتنياهو. فقبل انعقاد الحكومة الأمنية الإسرائيلية لمناقشة اتفاق وقف إطلاق النار، عمد نتنياهو إلى عقد اجتماعات فردية مع كبار الوزراء لإقناعهم بالموافقة عليه، بحسب ما نقله موقع "جميع أخبار إسرائيل" الذي وصف ما يواجهه رئيس الحكومة الإسرائيلي بأنّه "تمرّد صغير".
غير أنّ هذا "التمرّد" أتى خصوصاً من سكان الشمال الإسرائيلي الذين وصفوا الاتفاق بأنّه "تحوّل من انتصار كامل إلى استسلام كامل"، على ما كتبته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في تقرير لها مساء الاثنين. ونقلت عن عمدة كريات شمونه أفيخاي ستيرن قوله: "قبل التوقيع على ما يشبه اتفاق استسلام، أدعو قادتنا إلى النظر في عيون أطفال كريات شمونه والتفكير في مستقبلهم".
قد يكون ما ورد في "يديعوت أحرونوت" أخطر على نتنياهو من اعتراضات بعض المسؤولين الإسرائيليين على الاتفاق، بمن فيهم وزيرا الأمن القومي والمالية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. فبالرغم من أنّهما اعترضا على الاتفاق كما هو متوقّع، لم يهددا بالانسحاب من الحكومة حتى الساعات القليلة التي سبقت اجتماع الكابينت. وعادة ما يخوض نتنياهو السياسة مستنداً إلى قياس الرأي العام الإسرائيلي بالدرجة الأولى. وبرز أيضاً اعتراض عمدة المطلة على وقف إطلاق النار. لكن من تمكّن من إقالة غالانت بدون ردّ فعل شعبي كبير، قادر نظرياً على فعل الشيء نفسه في قضية وقف إطلاق النار مع "حزب الله".
إشارة ضمنيّة أخرى
نقلت "جيروزاليم بوست" عن مصدر إسرائيلي قوله إنّ "نتنياهو ينوي تسويق الاتفاق وإقناع الناس بضرورته عبر اتفاقات ديبلوماسية – الحاجة إلى تحقيق وقف لإطلاق النار قبل تنصيب الرئيس ترامب في كانون الثاني (يناير) وتفادي مواجهة خطيرة مع إدارة بايدن في شهريها الأخيرين، كما حدث مع إدارة أوباما".
وشدّد المصدر أيضاً على "حرية حركة" الجيش الإسرائيلي كنقطة إضافية بإمكان نتنياهو اللجوء إليها لدعم وقف إطلاق النار، إلى جانب الضمانات الأميركية.
في أيّ حال، يبدو أنّ المقربين من نتنياهو راحوا يخففون من القيود التي يفرضها الاتفاق على إسرائيل. فبحسب "هآرتس"، قال العميد في الاحتياط الإسرائيلي إيفي إيتام، أحد المستشارين غير الرسميين لنتنياهو، الاثنين لإذاعة "كان" إنّ الاتفاق هو "تهدئة موّقتة لـ 60 يوماً"، على أن يُنظر بعدها في ما سيحدث...