النهار

في صراع الفصائل والجيش السوري... ما أهمية حلب الاستراتيجية؟
المصدر: النهار
في صراع الفصائل والجيش السوري... ما أهمية حلب الاستراتيجية؟
أحياء حلب
A+   A-

ما أن أعلنت الهدنة في لبنان، بعد شهرين على تجربة حرب مدمرة، حتى صعدت مدينة حلب السورية الى صدارة المشهد ومحطات التلفزة العالمية إثر اشتباكات بين فصائل معارضة بينها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) وبين الجيش السوري.

 

وجاءت المفاجأة أن الفصائل المعارضة تمكنت في غضون يومين من السيطرة على أكثر من نصف المدينة، مستغلة انشغال حزب الله وإيران بتبعات الحرب في لبنان.

 

 أعلن المرصد السوري أن هيئة تحرير الشام باتت تسيطر على أكثر من نصف مدينة حلب خلال ساعات من دون أي مقاومة من قبل الجيش السوري.

 
من جهتها، أعلنت الحكومة السورية إغلاق مطار حلب الدولي وألغت جميع الرحلات الجوية حتى إشعار آخر.


وقالت ثلاثة مصادر بالجيش السوري لرويترز إن الجيش أغلق الطرق الرئيسية المؤدية من وإلى مدينة حلب بعد أن صدرت تعليمات للقوات باتباع أوامر "انسحاب آمن" من الأحياء التي اجتاحها المسلحون.

وذكرت المصادر أن هذه الخطوة أغلقت المدينة فعليا بعد أن أصدر الجيش تعليمات عند نقاط التفتيش خارج المدينة بالسماح فقط لقوات الجيش بالمرور والدخول.

 

ما أهمية المدينة؟

حَلَب هي مدينة في شمال سوريا وهي مركز محافظة حلب التي تعد أكبر المحافظات السورية من ناحية تعداد السكان بعدد سكان رسمي يفوق 4.045 مليون (تقديرات 2004) كما أنها تعتبر العاصمة الإقتصادية لسوريا. تقع شمال غرب سوريا على بعد 310 كم (193 ميلاً) من دمشق. وتعد أكبر مدن بلاد الشام،  وكانت عاصمة لمملكة يمحاض الأمورية، وتعاقبت عليها بعد ذلك حضاراتٌ عدة مثل الحثية و‌الآرامية و‌الآشورية و‌الفارسية و‌الهيلينية و‌الرومانية و‌البيزنطية والإسلامية. وفي العصر العباسي برزت حلب كعاصمة للدولة الحمدانية التي امتدت من حلب إلى الجزيرة الفراتية و‌الموصل.

 

وتعد حلب واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم وثاني اقدم مدن سوريا بعد العاصمة دمشق وذلك منذ بداية الألفية السادسة قبل الميلاد، حيث أظهرت الحفريات في تل السودة وتل الأنصاري الواقعتين جنوب المدينة القديمة أن المنطقة كانت قد احتلت في الجزء الأخير من الألفية الثالثة على الأقل  ويظهر هذا في أول ذكر لحلب في الألواح المسمارية المكتشفة في مملكة إيبلا و‌بلاد الرافدين حيث لوحظ تفوقها العسكري والتجاري.

ومثل هذا التاريخ ربما يرجع إلى كونها نقطة تجارية إستراتيجية في منتصف الطريق بين البحر الأبيض المتوسط و‌بلاد الرافدين وفي كونها في نهاية طريق الحرير الذي يمر عبر آسيا الوسطى و‌بلاد الرافدين. وبقيت حلب لقرون أكبر المدن السورية وثالث مدينة في الدولة العثمانية بعد إسطنبول و‌القاهرة. تحولت التجارة إلى البحر عندما تم افتتاح قناة السويس عام 1869 وبدأت أهمية حلب بالتراجع بشكل بطيء.

 

تلقت حلب أكبر الضربات عند بداية القرن العشرين، فعند سقوط الخلافة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى سلخت عن حلب أجزاؤها الشمالية (معظمها ضمن الأقاليم السورية الشمالية) التي ضمت إلى تركيا عام 1920 بالاتفاق بين أتاتورك و‌سلطات الانتداب الفرنسي. خسرت حلب التجارة مع مدن هذه الأقاليم خاصة المدن التي كانت تابعة لولاية حلب تاريخيا كعنتاب و‌مرعش و‌أضنة و‌مرسين، كما خسرت السكك الحديدية المهمّة التي كانت تصلها بالموصل. وأدت اتفاقية سايكس بيكو وفصل العراق عن سورية إلى كساد وتدهور كبير في اقتصاد حلب. وفي عام 1940 فقدت حلب إمكانية وصولها إلى البحر بعد خسارتها لمنفذها الرئيسي على البحر الأبيض المتوسط في الإسكندرونة. تراجع موقع حلب السياسي بسبب جعل مدينة دمشق عاصمة لسوريا. رغم كل هذه الضربات، بقيت هذه المدينة عاصمة اقتصادية لسوريا، فهي تضم أهم المعامل الصناعية وهي أيضا تشكل مركزا للمناطق الزراعية في سوريا، وخاصة زراعة القطن الضرورية لمعامل النسيج المزدهرة في المدينة. كانت حلب وريفها تعطي معظم الناتج الإجمالي السوري حتى نهاية الخمسينات  أصبحت المدينة القديمة في مدينة حلب من مواقع التراث العالمي اليونسكو في عام 1986. وقد نالت المدينة لقب عاصمة الثقافة الإسلامية عن الوطن العربي في عام 2006 م. وخلال أحداث الأزمة السورية، تضررت حلب بشكل كبير إنسانيا واقتصاديا بفعل القتال والقصف ونقل المعامل إلى تركيا، وتوقفت عجلة الاقتصاد في المدينة وتعرض الكثير من معالمها الأثرية للدمار مثل مئذنة المسجد الأموي واحتراق معظم أسواق حلب القديمة.

شهدت المدينة عدداً من الأحداث بعدَ اندلاع حركة الاحتجاجات السورية 2011، فقد خرجت أول مظاهرة مناهضة لنظام الأسد وحزب البعث فيها في "جمعة العزة" بتاريخ 25 آذار (مارس) 2011، ثمَّ أصبحت المظاهرات فيها حدثاً شبه أسبوعيّ أو حتى يومي، وأخذت بالتوسع شيئاً فشيئاً، ولو أنها لم تصل إلى قوة حركة الاحتجاجات في باقي مناطق سوريا. في تاريخ 30 حزيران (يونيو) 2011 أطلقت تنسيقيات الاحتجاجات عُنوان "بركان حلب" على يوم الخميس ذاك في مُحاولة لتأجيج المُظاهرات في المدينة أكثر، وأدى ذلك إلى خروج المظاهرات في أكثر من عشرة مناطق في المدينة وحُدوث محاولات للاعتصام في ساحة سعد الله الجابري الرئيسية بها، كما سقط قتيل خلال تلك المسيرات.

 

ومنذ 2012، عانت حلب أوضاعا صعبة وقتال متجدد على فترات بين الجيش السوري وفصائل مسلحة بينها تنظيمات متطرفة، لتغلق دائرة تاريخية جديدة، إذ يعج تاريخ المدينة بفترات ازدهار تليها فترات اضطراب. 

آخر تقييم لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لحجم الأضرار في المواقع الأثرية في مدينة حلب القديمة بين أن ثلث المدينة تم تدميره بالكامل  خلال سنوات الحرب في سوريا وأضافت أن 60% من مدينة حلب القديمة قد تضرر بشكل كبير و30% تم تدميره كليا.

 

اقرأ في النهار Premium